فهرس الكتاب
الصفحة 1291 من 4009

المبحث الرابع: اختصام الملأ الأعلى

والملائكة تتحاور فيما بينها فيما خفي عليها من وحي ربها، ففي سنن الترمذي، ومسند أحمد عن ابن عباس: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( أتاني الليلة ربي - تبارك وتعالى - في أحسن صورة - قال: أحسبه قال: في المنام - فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا. قال: فوضع يده بين كتفيّ، حتى وجدت بردها بين ثدييّ، فعلمت ما في السموات، وما في الأرض.

فقال: يا محمد! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات والدرجات، والكفارات: المكث في المساجد بعد الصلاة، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام.

قال: صدقت، ومن فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه.

وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وتتوب عليّ، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون )) [1] .

قال ابن كثير في هذا الحديث بعد ذكره له:(هذا حديث المنام المشهور، ومن جعله يقظة فقد غلط، وهو في السنن من طرق، وهذا الحديث رواه الترمذي من حديث جهضم بن عبد الله اليمامي به.

وقال الحسن: صحيح، وليس هذا الاختصام هو الاختصام المذكور في القرآن في قوله: مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإٍ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ [ص: 69 - 70] .

فإن الاختصام المذكور في الحديث، قد فسره الرسول صلى الله عليه وسلم.

والاختصام المذكور في القرآن فسرته الآيات بعده: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ [ص: 71 - 74] .

فالاختصام المذكور في القرآن كان في شأن آدم - عليه السلام - وامتناع إبليس من السجود له، ومحاجته ربّه في تفضيله عليه) [2] .

منظمون في كل شؤونهم:

الملائكة منظمون في عبادتهم، وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بهم في ذلك فقال: (( ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربها؟. قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف، ويتراصون في الصف ) ) [3] .

وفي يوم القيامة يأتون صفوفاً منتظمة: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ، ويقفون صفوفاً بين يدي الله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [النبأ: 38] ، والروح: جبريل.

وانظر إلى دقة تنفيذهم للأوامر، ففي صحيح مسلم، ومسند أحمد عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك ) ) [4] .. عالم الملائكة الأبرار لعمر الأشقر - ص: 23

(1) رواه الترمذي (3233، 3234) ، وأحمد (1/ 368) (3484) ، وأبو يعلى (4/ 475) ، وابن خزيمة في (( التوحيد ) ) (293) بلفظ: (( ثديي ) )بدلاً من (( صدري ) ). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال أحمد شاكر في (( مسند أحمد ) ) (5/ 162) : إسناده صحيح. وقال الألباني في (( صحيح سنن الترمذي ) ): صحيح.

(2) (( تفسير ابن كثير ) ) (7/ 81) .

(3) رواه مسلم (430) . من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.

(4) رواه مسلم (197) ، وأحمد (3/ 136) (12420) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام