المبحث الأول: مرتبة الإسلام
الإسلام لغة: هو الانقياد والخضوع والذل. يقال: أسلم واستسلم، أي انقاد [1] .
الإسلام شرعا: له معنيان:
الأول: الانقياد والاستسلام لأمر الله الكوني القدري طوعا وكرها.
وهذا لا ثواب فيه. قال تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران: 83] . أي خضع وانقاد [2] .
الثاني: إخلاص العبادة لله - عز وجل - وحده لا شريك له.
وهذا الإسلام هو الذي يحمد عليه العبد ويثاب [3] .
وقد عرفه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بقوله: (هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله) [4] .
والإسلام بالمعنى الثاني ينقسم إلى عام وخاص:
العام: هو الدين الذي جاء به الأنبياء جميعا. وهو عبادة الله وحده لا شريك له.
والخاص: هو ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لفظ الإسلام يجمع معنيين: أحدهما: الانقياد والاستسلام. والثاني: إخلاص ذلك، وإفراده .. وعنوانه قول: لا إله إلا الله. وله معنيان: أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة.
والثاني: ما اختص به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين، والشرعة، والمنهاج .. وله مرتبتان:
إحداهما: الظاهر من القول والعمل. وهي المباني الخمسة.
والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن [5] .
فالحاصل أن الإسلام في شريعتنا لإطلاقه حالتان:
الحالة الأولى: أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإيمان. فهو حينئذ يراد به الدين كله أصوله وفروعه من اعتقاداته وأقواله وأفعاله، كقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران: 19] وقوله: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3] .
وقوله: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] . ونحو ذلك من الآيات.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (( بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء ) ) [6] .
(1) (( الصحاح ) ) (5/ 1952) . و (( معجم مقاييس اللغة ) ) (3/ 90) . و (( لسان العرب ) ) (12/ 293) . و (( القاموس المحيط ) ) (1448) .
(2) (( تفسير البغوي ) ) (1/ 323) و (( تفسير ابن كثير ) ) (1/ 503) .
(3) (( لسان العرب ) ) (12/ 932) . و (( معجم مفردات ألفاظ القرآن ) ) (246) . و (( الإيمان الأوسط لابن تيمية، المطبوع ضمن مجموع الفتاوى ) ) (7/ 635) . و (( شرح الأصول الثلاثة لابن عثيمين ) ) (ص: 64) .
(4) (( ثلاثة الأصول ) ) (ص: 64) مع شرحها لابن عثيمين. (( أعلام السنة المنشورة ) ) (ص: 33) .
(5) (( الإيمان الأوسط المطبوع ضمن مجموع الفتاوى ) ) (7/ 635) . و (( مجموع الفتاوى ) ) (1/ 14) و (19/ 117) .
(6) رواه مسلم (145) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.