فهرس الكتاب
الصفحة 3676 من 4009

وقد قال بنحو ما سبق جماعة من المفسرين منهم ابن جرير حيث قال حينما ذكر الأقوال في الآية السابقة: وأولى هذه الأقوال وأصح التأويلات، ما روي عن أبي بكر -رضي الله عنه فيها وهو يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة: 105] الزموا العمل بطاعة الله وبما أمركم به وانتهوا عما نهاكم الله عنه لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ يقول: فإنه لا يضركم ضلال من ضل إذا أنتم لزمتم العمل بطاعة الله، وأديتم فيمن ضل من الناس ما ألزمكم الله به فيه، من فرض الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الذي يركبه، أو يحاول ركوبه، والأخذ على يديه إذا رام ظلماً لمسلم أو معاهد، ومنعه منه فأبى النزوع عن ذلك، ولا ضير عليكم في تماديه في غيه وضلاله إذا أنتم اهتديتم وأديتم حق الله تعالى ذكره فيه، وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات في ذلك بالصواب لأن الله تعالى ذكره، أمر المؤمنين أن يقوموا بالقسط، ويتعاونوا على البر والتقوى، ومن القيام بالقسط الأخذ على يدي الظالم.

ومن التعاون على البر والتقوى الأمر بالمعروف، وهذا مع ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو كان للناس ترك ذلك لم يكن للأمر به معنى إلا في الحال التي رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ذلك، وهي حال العجز عن القيام به بالجوارح الظاهرة، فيكون مرخصاً له تركه إذا قام حينئذ بأداء فرض الله عليه في ذلك بقلبه، وإذا كان ما وصفنا من التأويل بالآية أولى، فبين أنه قد دخل في معنى قوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ما قاله حذيفة وسعيد بن المسيب من أن ذلك (إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ... ) [1] .

وقال الزجاج: (وليس يوجب لفظ هذه الآية ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعلم أنه لا يضر المؤمن كفر الكافر، فإذا ترك المؤمن الأمر بالمعروف وهو مستطيع ذلك فهو ضال، وليس بمهتد) [2] ا. هـ.

وقال النووي: (المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية: إنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم مثل قوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر: 18] وإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب، فلا ضرر على الآمر الناهي لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول والله أعلم) [3] ا. هـ.

ولقد وقع الخطأ في فهمها عند بعض أهل العصر الأول .. فقام أبو بكر -رضي الله عنه وبين المراد وأزال الشبهة.

روى ذلك قيس بن حازم حيث قال: قال أبو بكر الصديق بعد أن حمد الله وأثنى عليه يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير موضعها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ وإنما سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) ) [4] . وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ولا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب ) ). وقال شعبة فيه (( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم أكثر ممن يعمل بها .. ) ) [5] . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخالد بن عثمان السبت - ص90

(1) (( الطبري ) ) (11/ 152 - 153) .

(2) (( معاني القرآن ) ) (2/ 214) .

(3) (( شرح مسلم للنووي ) ) (2/ 22 - 23) (بتصرف) .

(4) رواه أبو داود (4338) ، والترمذي (2168) ، وأحمد (1/ 7) (29، 30) ، وابن حبان (1/ 539) (304) . قال الترمذي، والطحاوي في (( شرح مشكل الآثار ) ) (3/ 208) : صحيح، وصحح إسناده النووي في (( الأذكار ) ) (412) ، وابن مفلح في (( الآداب الشرعية ) ) (1/ 193) ، وأحمد شاكر في تحقيقه للمسند (1/ 36) ، وقال الألباني في (( صحيح سنن الترمذي ) ): صحيح.

(5) رواه أبو داود (4338) . قال الألباني في (( صحيح الترغيب ) ) (2317) : صحيح، وقال الوادعي في (( الصحيح المسند ) ) (713) : صحيح على شرط الشيخين.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام