فهرس الكتاب
الصفحة 3675 من 4009

وقال الحافظ ابن كثير: يقول الله تعالى: ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأولئك هم المفلحون .. والمقصود من هذه الآية: أن تكون فرقة من هذه الأمة منصوبة لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من رأى منكم منكراً .. ) )الحديث [1] [2] ا. هـ.

ثم إن أصحاب هذا القول اختلفوا في التبعيض في الآية على قولين هما: الأول: أن فائدة كلمة من هي أن في القوم من لا يقدر على الدعوة ولا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل النساء والمرضى والعاجزين.

الثاني: أن هذا التكليف مختص بالعلماء ويدل عليه وجهان:

1)أن هذه الآية مشتملة على الأمر بثلاثة أشياء:

الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ومعلوم أن الدعوة إلى الخير مشروطة بالعلم بالخير وبالمعروف وبالمنكر، فإن الجاهل ربما دعا إلى الباطل، وأمر بالمنكر، ونهى عن المعروف، فثبت بهذا أن التكليف متوجه إلى العلماء، ولا شك أنهم بعض الأمة، ونظير هذه الآية قوله تعالى: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ ... [التوبة: 122] .

2 -أنا أجمعنا على أن ذلك واجب على سبيل الكفاية، بمعنى أنه متى قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا كان كذلك كان المعنى: ليقم بذلك بعضكم، فكان في الحقيقة إيجاباً على البعض لا على الكل والله أعلم [3] .

إشكال ودفعه [4] :

قد يتوهم البعض من قوله تعالى عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: 105] أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يلزمه .. وهذا غير صحيح بل هو لازم له، والآية حجة عليه لا له!! [5] .

ذلك أن الهداية لا تتحقق إلا بفعل المأمور وترك المحظور، ومن المعلوم أن أعظم المأمورات القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الذي يدع العمل بذلك لا يكون مهتدياً!!

بل كيف يكون مهتدياً والرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل الإنكار بالقلب أضعف الإيمان، وقال عن الإنكار والمجاهدة للخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون: (( فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) ) [6] .

وإن مما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير مهتد: إقسام الله تعالى أن الإنسان لفي خسر ولم يستثن سوى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 3] [7] .

(1) رواه مسلم (49) .

(2) (( تفسير ابن كثير ) ) (1/ 390) .

(3) مستفاد من كلام الرازي في (( تفسيره ) ) (8/ 167) .

(4) انظر: (( تفسير ابن جرير ) ) (11/ 183 - 153) تحقيق أحمد شاكر، (( أحكام القرآن ) )للجصاص (4/ 54) . (( تفسير ابن عطية ) ) (5/ 214) ، و (( الرازي ) ) (12/ 112 - 113) ، و (( القرطبي ) ) (6/ 342 - 345) . (( مجموع الفتاوى ) ) (4/ 479) ، و (( ابن كثير ) ) (2/ 109) ، (( تنبيه الغافلين ) )لابن النحاس (81 - 82) . (( تفسير أبي السعود ) ) (3/ 88) ، (( فتح المبين بشرح الأربعين ) ) (211 - 247) ، وراجع أيضاً (( الظلال ) ) (7/ 59 - 61) (( أصول الدعوة ) ) (304 - 305) .

(5) انظر: جملة من الآثار عن بعض السلف في معنى هذه الآية في كتاب (( الناسخ والمنسوخ ) )لأبي عبيد (ص: 286 - 294) (الآثار رقم 524 - 536) .

(6) رواه مسلم (50) . من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(7) انظر: (( أضواء البيان ) ) (1/ 169 - 171) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام