وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة المتقدم - عن مداخلة الدخن للخير الذي يكون بعد الشر لما ذكر الفتن .. وفسره بقوله (( قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي ) ).
فيجب أن يكون منهجنا في التغيير للانحرافات الواقعة في الأمة .. وإيجاد الفضيلة والخير في المجتمع سائراً على المنهج الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رسول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21] قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران: 31] .
ولقد بدأ -صلوات الله وسلامه عليه- كغيره من الأنبياء قبله -بإصلاح عقائد الناس أولاً وجمعهم على عقيدة التوحيد؛ كما ربى أصحابه -رضوان الله عليهم أجمعين- على وحدة مصدر التلقي .. وعلى أن كل قول غير قول الله وقوله رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإنه هو قول قابل للخطأ والصواب فلا ينظر إليه باعتبار قائله (اعرف الحق تعرف أهله، فإنما الحق لا يعرف بالرجال) .
فإذا بدأ المحتسب أو (الداعي) بعكس ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لو بدأ بالجهاد أو إقامة الدولة مثلاً فإنه لا يفلح في دعوته، وهذا ولا شك من ذلك الدخن الذي أخبرنا عنه -صلى الله عليه وسلم- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي على الصراط المستقيم، والصراط المستقيم أقرب الطرق. وهو الموصل إلى حصول القصد) [1] ا. هـ.
فكل دعوة إلى الإصلاح وكل أمر بمعروف أو نهي عن منكر لا ينتهجان ذلك المنهج السوي فلهما من المفارقة لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي هو منهج أهل السنة والجماعة بقدر المخالفة له.
فإن منهج أهل السنة وطريقهم لا يقتصر على مسائل الصفات فقط، أو قضايا العلم والاعتقاد، بل ذلك يكون في تلك القضايا وغيرها من الأمور العملية وإنما كثر التدوين في مسائل الصفات خاصة ومسائل الاعتقاد عامة لكثرة المخالفين فيها أولاً ثم لخطورة الخلاف في تلك المسائل ثانياً.
ونحن ندعو كل مسلم إلى التمسك بذلك المنهج فهو طريق الخلاص من هذا الواقع المرير.
الخامس: العلم [2] :
تبين لك فيما سبق أنه لابد من بلوغ المطالبة بالتكليف إلى المكلف في العمل المعين .. وإلا فإنه لا يؤاخذ على تركه. وهذا ظاهر وهو الذي مر معك عند الكلام في شرطية العلم بالتكليف وأنه من شروط الوجوب، لكن العلم الذي نريد الحديث عنه هو العلم بما يأمر والعلم بما ينهى.
فلابد للآمر أن يعلم أن ما يأمر به هو من المعروف، كما لابد للناهي أن يعلم أن ما نهى عنه يعد من المنكر .. فلابد إذاً أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه. فحاله كحال الطبيب لا يمكنه العلاج حتى يفهم المرض والدواء معاً.
(1) انظر: (( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) )لابن تيمية (ص: 22 - 28) .
(2) (( الأحكام السلطانية للماوردي ) ) (ص: 300) ، (( وللفراء ) ) (ص: 285) ، (( نهاية الرتبة في طلب الحسبة ) ) (ص: 6 - 10) ، (( الفروق ) ) (ص: 4، 255) ، (( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) )لابن تيمية (ص: 29 - 31) ، (( نصاب الاحتساب ) ) (ص: 331 - 340) ، (( أضواء البيان ) ) (1/ 174) ، (( أصول الدعوة ) ) (ص: 465) ، (( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) )لعبد المعز (ص: 22) ، (( الدرر السنية ) ) (7/ 26) .