ثم قال: إنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحباً، ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم، فإنه لم يترك واجباً بذلك، لكن قال في إظهار ذلك مشابهة لهم، فلا يتميز السني من الرافضي، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب، وهذا الذي ذهب إليه يحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك المستحب، لكن هذا أمر عارض لا يقتضي أن يجعل المشروع ليس بمشروع دائماً) [1] .
ومما يؤكد هذا التحقيق أن المروي عن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أن الجهر بالبسملة غير مسنون [2] ، ومع ذلك استحب الجهر بها لمصلحة راجحة، حتى إنه نص على أن من صلى بالمدينة يجهر بها؛ لأن أهل المدينة كانوا ينكرون على من يجهر بها [3] .
ب- ومن مسائل الصلاة: المبادرة بصلاة المغرب إذا دخل وقتها.
قال ابن بطة: (ومن السنة المبادرة بصلاة المغرب إذا غاب حاجب الشمس قبل ظهور النجوم) [4] .
وذلك مخالفة لليهود ومن تأثر بهم من الرافضة كما في مقالة الإمام الشعبي -رحمه الله-: (واليهود لا يصلون المغرب حتى تشتبك النجوم .. وكذلك الرافضة) [5] .
قال النووي: (قد ذكرنا إجماعهم على أن أول وقتها غروب الشمس، وحكى الماوردي وغيره عن الشيعة أنهم قالوا: لا يدخل وقتها حتى تشتبك النجوم، والشيعة لا يعتد بخلافهم) [6] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن الرافضة: (فلهذا تجد فيما انفردوا به عن الجماعة أقوالاً في غاية الفساد، مثل تأخيرهم صلاة المغرب حتى يطلع الكوكب مضاهاة لليهود، وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بتعجيل المغرب) [7] .
وقال في موضع آخر: (وهكذا روى أبو داود من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(( لا تزال أمتي بخير -أو على الفطرة- ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم ) )ورواه ابن ماجة من حديث العباس [8] ، ورواه الإمام أحمد من حديث السائب بن يزيد [9] .
وقد جاء مفسراً تعليله: (لا يزالون بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى طلوع النجم، مضاهاة لليهود ... ) قال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الصلت بن بهرام، عن الحارث بن وهب، عن أبي عبد الرحمن الصنابحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا تزال أمتي على مسكة ما لم ينتظروا بالمغرب اشتباك النجوم مضاهاة لليهودية ) ) [10] .
(1) (( منهاج السنة النبوية ) ) (4/ 149، 150، 154) = باختصار.
(2) انظر: (( المغني ) ) (2/ 149) .
(3) انظر: (( مجموع الفتاوى ) )لابن تيمية (22/ 407) .
(4) (( الإبانة الصغرى ) ) (ص: 287) .
(5) (( منهاج السنة النبوية ) ) (1/ 31) .
(6) (( المجموع ) ) (3/ 38) .
(7) (( منهاج السنة النبوية ) ) (5/ 173) .
(8) [14282] )) رواه الإمام أحمد 3/ 449. قال الخطيب البغدادي (( تاريخ بغداد ) ) (14/ 15) : غريب وقال ابن عبد الهادي (( تنقيح تحقيق التعليق ) ) (1/ 255) [فيه] عبد الله بن الأسود القرشي قال أبو حاتم شيخ.
(9) [14283] )) رواه ابن ماجه (689) , والطبراني في (( الأوسط ) ) (2/ 214) و (( الصغير ) ) (1/ 56) , والحاكم (1/ 304) , من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه, قال النووي في (( المجموع شرح المهذب ) ) (3/ 35) : إسناده جيد, وقال الذهبي في (( سير أعلام النبلاء ) ) (11/ 142) : [فيه] عمر وهو تالف, وصححه الألباني في (( صحيح سنن ابن ماجه ) ).
(10) [14284] )) رواه أحمد (4/ 349) (19090) , والطبراني (8/ 80) , قال ابن رجب في (( فتح الباري لابن رجب ) ) (3/ 240) : مرسل, وقال الهيثمي في (( مجمع الزوائد ) ) (1/ 316) : رجاله ثقات.