وقال علي بن أبي صالح السواق: (كنا في وليمة، فجاء أحمد بن حنبل، فلما دخل نظر إلى كرسي في الدار عليه فضة، فخرج، فلحقه صاحب الدار، فنفض يده في وجهه وقال: زي المجوس، زي المجوس) [1] .
وقال في رواية صالح: (إذا كان في الدعوة مسكر أو شيء من آنية المجوس: الذهب والفضة، أو ستر الجدران بالثياب، خرج ولم يطعم) ا. هـ [2] .
وقال إبراهيم الحربي: (وكان -أي الإمام أحمد- إن رأى إناء فضة أو منكر خرج .. ) [3] .
وقال أبو محمد بن تميم الحنبلي -رحمه الله- عند ذكره لعقيدة الإمام أحمد: .. وكان يتحرج أن يدخل إلى دار فيها صور، أو دعوة فيها لهو أو غناء أو جنازة يتبعها نوح أو مزمار، فإذا حضرها لم يرجع عنها. (أي الجنازة) [4] .
وأخرج ابن جرير بإسناد صحيح عن هشام بن عروة قال: أخذ عمر بن عبد العزيز قوماً على شراب، فضربهم وفيهم صائم. فقالوا: إن هذا صائم فتلا: فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ [النساء: 140] [5] .
وقال الحافظ عند شرحه لحديث عائشة -رضي الله عنها- في الجيش الذي يغزو الكعبة فيخسف بهم: (قال المهلب: في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختاراً أن العقوبة تلزمه معهم. قال: واستنبط منه مالك عقوبة من يجالس شربة الخمر وإن لم يشرب) [6] . ا. هـ.
وقال الإمام مالك -رحمه الله-: (لا ينبغي المقام بأرض يعمل فيها بغير الحق والسب للسلف الصالح، وأرض الله واسعة، لقد أنعم الله على عبد أدرك حقاً فعمل به) [7] [8] .
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- عن وجوب الهجرة من بلاد المسلمين التي يحكم فيها بالقانون فأجاب:(البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام. تجب الهجرة منها، وكذلك إذا ظهرت الوثنية من غير نكير ولا غيرت فتجب الهجرة، فالكفر بفشو الكفر وظهوره هذه بلد كفر.
أما إذا كان قد يحكم فيها بعض الأفراد أو وجود كفريات قليلة لا تظهر، فهي بلد الإسلام.
ما الذي سلط الأعداء على المسلمين؟
إذا كان نفس الشيء الذي نقمه الرسول هو المقدم عندهم، واستغنوا باسم الإسلام وصلاة ونحو ذلك.
إن في القرآن والسنة الشفاء والبيان.
شيء واضح بينه القرآن ووضحه في عدة مواضع أن المشركين مقرين بالربوبية، ثم آيات أخر عينت الشيء الذي طلبوه، فهذا هو الذي أنكره القرآن عليهم من جهة العقيدة.
ولعلك أن تقول: لو قال من حكم القانون: أنا أعتقد أنه باطل.
فهذا لا أثر له، بل هو عزل للشرع، كما لو قال أحد: أنا أعبد الأوثان، وأعتقد أنها باطل.
وإذا قدر على الهجرة من بلاد تقام فيها القوانين وجب ذلك) [9] .
وسئل أيضاً عن بلد يحل أهلها البغاء فقال: ( .. ينبغي الهجرة من بلد دون هذا، ويجب قتالهم حتى ينتهوا عن ذلك) [10] .
وله -رحمه الله-: (من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:-
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن إنسان اضطرته ظروف الحياة إلى الاجتماع بأناس لا يصلون الصلوات الخمس، وكان يسكن معهم في محلهم، يأكلون جميعاً ويشربون، ويبيتون.
وتسأل عن حكمهم، وحكم من يسكن معهم؟
(1) هذه الرواية ذكرها شيخ الإسلام موجودة في (( طبقات الحنابلة ) ) (1/ 234) .
(2) (( اقتضاء الصراط المستقيم ) ) (1/ 318 - 319) .
(3) (( سير أعلام النبلاء ) ) (11/ 226) .
(4) (( طبقات الحنابلة ) ) (2/ 278) .
(5) (( تفسير ابن جرير ) )رقم (10709) (9/ 321) ، (( الإبانة الكبرى ) )رقم (515) .
(6) انظر: (( الفتح ) )شرح الحديث رقم (2118) (4/ 241) .
(7) (( الجامع ) )لابن أبي زيد (ص: 156) .
(8) انظر: الكلام في الهجرة من أرض المعاصي في كتاب (( الرفوع ) ) (6/ 196 - 198) .
(9) (( فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ) ) (6/ 188) .
(10) (( فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ) ) (6/ 189) .