الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا
تبين ... أن أصل هذا العمل واجب قطعاً .. لكن هذا الوجوب لا يكون لازماً في كل مطلوب شرعاً ولا على كل فرد كل حال (فيما زاد على القلب) .
إذا عرفت هذا وتبينته فاعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون محرماً، وقد يكون مكروهاً ..
أما حال كونه واجباً: فهذا يحصل إذا كان العمل المأمور به من الواجبات، أو الفعل المرتكب -الذي يراد النهي عنه- معدوداً من المحرمات [1] .. فهنا يجب الأمر أو النهي ما لم يكن هناك عذر في تركه.
متى يسقط الوجوب [2] : لا شك أن الإنكار بالقلب لا يسقط بحال من الأحوال، لكن الإنكار باليد واللسان قد يسقط وجوبه وذلك في واحد من ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: إذا تكاثرت الفتن والمنكرات [3] :
وهذا يكون على نوعين:
النوع الأول: ما يكون في آخر الزمان؛ وهذا النوع هو الذي تحمل عليه كثير من الأحاديث الواردة في العزلة والتي منها حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعاً (( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ) ) [4] .
ومن ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: (( شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وقال: كيف أنت يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة قد مرجت عهودهم وأمانتهم واختلفوا فصاروا هكذا، قال: فكيف أصنع يا رسول الله؟! قال: تأخذ ما تعرف وتدع ما تنكر وتقبل على خاصتك وتدعهم وعوامهم ) ) [5] .
وفي لفظ آخر: (( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكرت الفتنة فقال: إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم وخفت أمانتهم وكانوا هكذا -وشبك بين أصابعه- قال ابن عمرو: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، وأملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة ) ) [6] .
(1) انظر: (( الآداب الشرعية ) ) (1/ 174) .
(2) انظر: (( المحلى ) ) (9/ 391) ، (( الإحياء ) ) (2/ 315) ، (( أحكام القرآن ) ) (2/ 720) ، (( مجموع الفتاوى ) ) (14/ 479) ، (( الآداب الشرعية ) ) (1/ 155 - 156) ، (( جامع العلوم والحكم ) ) (ص: 283) ، (( فتح المبين ) ) (ص: 245 - 246) (( غذاء الألباب ) ) (1/ 212 - 214) ، (( التشريع الجنائي ) ) (1/ 497 - 498) ، (( المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة ) ) (2/ 315 - 324) .
(3) انظر ما جاء في ذلك من الآثار في كتاب (( الإبانة الكبرى ) )من رقم (725 - 774) .
(4) رواه البخاري (19) .
(5) رواه البخاري (480) من حديث واقد عن أبيه عن ابن عمر أو ابن عمرو: شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه. وقال عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد سمعت هذا الحديث من أبي فلم أحفظه فقومه لي واقد عن أبيه قال: سمعت أبي وهو يقول: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله بن عمر كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس) . بهذا. وانظر: (( الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم ) )للحميدي (2/ 206) (1435) ، و (( جامع الأصول ) )لابن الأثير (10/ 5) (7456) .
(6) رواه أبو داود (4343) ، وابن ماجه (3957) ، وأحمد (2/ 212) (6987) ، والنسائي في (( السنن الكبرى ) ) (6/ 59) (10033) ، والحاكم (4/ 315) . والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في (( الأحكام الصغرى ) ) (909) كما أشار لذلك في مقدمته. وقال العراقي في (( تخريج الإحياء ) ) (2/ 291) : إسناده حسن، وحسنه ابن حجر في (( تخريج مشكاة المصابيح ) ) (5/ 95) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.