فقد قال - صلى الله عليه وسلم: (( إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) ) [1] . وفي رواية (( ... بأقوام لا خلاق لهم ) ) [2] .
فإذا كان الدين قد يؤيد وينصر بسبب رجل فاجر، ولا يضر الدين فجوره فلا يجوز الخروج على الأئمة الفجرة لمجرد فجورهم، لأن فجور الفاجر منهم لا يضر هذا الدين وإنما ضرره على نفسه، وقد يجر هذا الخروج إلى فتن وويلات لا تحمد عقباها.
رابعاً: ومن الأدلة على عدم الخروج أيضًا موقف الصحابة الذين توقفوا عن القتال في الفتنة، وموقف علماء السلف أيام حكم بني أمية وبني العباس وكان في بعضهم فسوق وظلم، ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كفره بعضهم، وكان الحسن البصري يقول: (إن الحجاج عذاب الله فلا تدافعوا عذاب الله بأيديكم ولكن عليكم الإستكانة والتضرع فإن الله تعالى يقول: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون: 76] ) [3] .
وقيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث [4] : أين كنت يا عامر؟ قال:(كنت حيث يقول الشاعر:
عوى الذئب فاستأنت بالذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير [5]
أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء) [6] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا استقر رأي أهل السنة على ترك القتال في الفتنة، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم [7] .
(1) [13449] )) رواه البخاري (3062) ، ومسلم (111) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) [13450] )) رواه النسائي في (( السنن الكبرى ) ) (5/ 279) (8885) ، وابن حبان (10/ 376) (4517) ، والطبراني في (( الأوسط ) ) (2/ 268) (1948) والضياء (5/ 231) (1863) . من حديث أنس رضي الله عنه. قال العراقي في (( تخريج الإحياء ) ) (1/ 73) : إسناده صحيح، وقال محمد الغزي في (( إتقان ما يحسن ) ) (1/ 396) : إسناده جيد، وصححه الألباني في (( صحيح الجامع ) ) (1866) .
(3) [13451] )) (( منهاج السنة ) ) (1/ 241) .
(4) [13452] )) كانت سنة إحدى وثمانين حينما بعث الحجاج ابن الأشعث قائدًا على الجيش لمحاربة رتبيل ملك الترك، وكان كل منهما يكره الآخر، فمضى ابن الأشعث، وفتح كثيرًا من البلاد، ورأى التوقف في فصل الشتاء حتى يذهب البرد، ويتقوى المسلمون، فعاتبه الحجاج، وكتب إليه بكلام بذيء، فلم يحتمله ابن الأشعث فشاور أصحابه في خلعه، فوافقوه، وجعل الناس يلتفون حوله، فسير إليه الخليفة عبد الملك بن مروان جيشًا بقيادة الحجاج، فهزمهم ابن الأشعث ودخل البصرة، ثم رأى أن يخلع الخليفة أيضًا، فوافقه جميع من في البصرة من الفقهاء والقراء والشيوخ والشباب، ثم أخذت تدور بينهم المعارك، منها معركة (دير الجماجم) المشهورة، وراح ضحية لهذه الفتنة خلق كثير من الصالحين. انظر: (( البداية والنهاية ) ) (9/ 35) وما بعدها.
(5) [13453] )) هذا البيت في (( غريب الحديث ) )للحربي (ص: 732) تحقيق سليمان العايد رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى 1402 هـ. ورواه ابن قتيبة في (( الشعر والشعراء ) ) (787) ، وعزاه للأحيمر السعدي، وانظر كتاب: (( العزلة ) )للخطابي (ص: 56) فقد رواه بسنده إلى الشافعي وعزاه إلى تأبط شرًا.
(6) [13454] )) (( منهاج السنة ) ) (2/ 241) .
(7) [13455] )) (( منهاج السنة ) ) (2/ 241) .