وماذا يجاب عن النصوص الصريحة في التفريق بين الصغائر والكبائر مثل قوله عز وجل: وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا [الكهف: 49] .
3 -أما استدلالهم بقول ابن عباس رضي الله عنه فيجاب عنه بأنه قد ورد أيضاً عن ابن عباس أنه قال: (كل ما توعد الله عليه بالنار كبيرة) [1] فالأولى أن يكون المراد بقوله: (نهى الله عنه) محمولاً على نهي خاص وهو الذي قرن به وعيد، فيحمل مطلق كلامه رضي الله عنه على مقيده جمعاً بين قوليه [2] وقال البيهقي في تعليقه على رواية ابن عباس: (كل ما نهى الله عنه كبيرة: فيحتمل أن يكون هذا في تعظيم حرمات الله والترهيب عن ارتكابها، فأما الفرق بين الصغائر والكبائر فلابد منه في أحكام الدنيا والآخرة) [3] . وطعن القرطبي في الرواية من جهة المتن. فقال: (ما أظنه يصح عن ابن عباس أن كل ما نهى الله عز وجل عنه كبيرة لأنه مخالف لظاهر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر) (ثم ذكر الآيات) إلى أن قال: (فكيف يخفى ذلك على حبر القرآن؟) [4]
ولوضوح الأدلة في الفرق بينهما اعتبر الحافظ ابن حجر القول الآخر شاذاً حيث قال: (وقد اختلف السلف، فذهب الجمهور إلى أن من الذنوب كبائر وصغائر، وشذت طائفة منهم الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني فقال: ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى الله عنه كبيرة .. ) [5] .
وقال أبو حامد الغزالي في كتابه (الوسيط في المذهب) : إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه وقد فهما من مدارك الشرع [6] . نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي - 1/ 103
(1) ذكر هذا الأثر ابن حجر في (( فتح الباري ) ) (10/ 410) وقال: وأخرج - ابن أبي حاتم - من وجه آخر متصل لا بأس برجاله.
(2) انظر: (( فتح الباري ) ) (10/ 410) .
(3) (( شعب الإيمان ) ) (2/ 94) .
(4) نقلاً عن: (( فتح الباري ) ) (10/ 410) .
(5) (( فتح الباري ) ) (1/ 409) .
(6) نقلاً عن (( شرح صحيح مسلم ) )للنووي (2/ 85) .