4 -ومن الأحاديث المشهورة حديث: أول ما خلق الله القلم، وفيه أن الله أمره بكتابة ما هو كائن إلى يوم القيامة، فعن أبي حفصة قال: (( قال عبادة بن الصامت لابنه: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب قال: رب وماذا أكتب؟ قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات على غير هذا فليس مني ) ) [1] , وفي رواية أخرى عن عبدالواحد بن سليم قال: (( قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح، فقلت له: يا أبا محمد: إن أهل البصرة يقولون في القدر, قال: يا بني أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم, قال: فاقرأ الزخرف. قال: فقرأت: حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ فقال: أتدري ما أم الكتاب؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه كتاب كتبه الله قبل أن يخلق السموات, وقبل أن يخلق الأرض, فيه أن فرعون من أهل النار, وفيه تبت يد أبي لهب وتب، قال عطاء: فلقيت الوليد بن عبادة بن الصامت صاحب رسول صلى الله عليه وسلم فسألته: ما كانت وصية أبيك عند الموت؟ قال: دعاني أبي فقال لي: يا بني, اتق الله, واعلم أنك لن تتقي الله حتى تؤمن بالله, وتؤمن بالقدر خيره وشره، فإن مت على غير هذا دخلت النار. وإني سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:(إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب. فقال: ما أكتب؟ قال اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد ) ) [2] فقوله للقلم بعد خلقه: (( اكتب مقادير كل شيء ) ), جمع مقدار وهو الشيء الذي يعرف به قدر الشيء, وكميته, كالمكيال والميزان, وقد يستعمل بمعنى القدر نفسه وهو الكمية والكيفية, وفي الرواية الأخرى: (( اكتب القدر ) ), والمقصود بأم الكتاب في الآية التي استشهد بها عطاء: اللوح المحفوظ, فالروايتان فيهما دليل على مرتبة الكتابة, حيث أمر الله القلم بكتابة ما هو كائن إلى يوم القيامة.
(1) رواه أبو داود (4700) ، وابن أبي عاصم (102) ، والطبراني في (( مسند الشاميين ) ) (1/ 58) (59) ، والبيهقي (10/ 204) (20664) ، والضياء (8/ 274) (336) . والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه الألباني في (( صحيح سنن أبي داود ) )، وحسنه ابن عثيمين في (( مجموع الفتاوى ) ) (4/ 205) .
(2) رواه الترمذي (2155) ، والطيالسي (ص: 79) ، والضياء (8/ 351) (429) . قال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وحسنه ابن حجر في (( تخريج مشكاة المصابيح ) ) (1/ 95) كما قال ذلك في المقدمة، وصححه الألباني في (( صحيح سنن الترمذي ) ).