وهذه الحكاية منقطعة؛ فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً لا سيما في زمن أبي جعفر المنصور، فإن أبا جعفر توفي بمكة سنة ثمان وخمسين ومائة، وتوفي مالك سنة تسع وسبعين ومائة، وتوفي محمد بن حميد الرازي سنة ثمان وأربعين ومائتين [1] ولم يخرج من بلده حين رحل في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه [2] . وهو مع هذا ضعيف عند أكثر أهل الحديث، كذَّبه أبو زرعة [3] وابن وارة [4] . وقال صالح بن محمد الأسدي [5] : ما رأيت أحدًا أجرأ على الله منه وأحذق بالكذب منه [6] . وقال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير [7] . وقال النسائي: ليس بثقة [8] . وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالمقلوبات [9] .
وآخر من روى (الموطأ) عن مالك هو أبو مصعب [10] وتوفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين. وآخر من روى عن مالك على الإطلاق هو أبو حذيفة أحمد ابن إسماعيل السهمي [11] توفي سنة تسع وخمسين ومائتين.
وفي الإسناد أيضاً من لا يعرف حاله [12] .
(1) انظر: كتاب (( المجروحين ) )لابن حبان (2/ 303) ، و (( الكاشف ) ) (3/ 326) ، و (( تهذيب التهذيب ) ) (9/ 131) ، والميزان (3/ 531) .
(2) ولم يذكره أحد في تلاميذ مالك حتى المزي في (( تهذيب الكمال ) )، انظر ترجمة مالك في (( تهذيب الكمال ) ) (3/ 1296 - 1297) ، وترجمة محمد بن حميد منه (3/ 1190 - 1191) وراجع (( ترتيب المدارك ) )للقاضي عياض (1/ 282 - 545) وقد قسم فيه الرواة عن مالك إلى طبقتين: كبرى وصغرى، وعلى حسب البلدان، ولم يذكر فيهم ابن حميد وهذا يؤكد ما قاله شيخ الإسلام.
(3) قال ابن حبان في (( المجروحين ) ) (2/ 204) . قال أبو زرعة وابن وارة - أي للإمام أحمد: صح عندنا أنه يكذب قال - يعني صالح بن أحمد: فرأيت أبي بعد ذلك إذا ذكر ابن حميد نفض يده.
(4) الحافظ الكبير الثبت أبو عبد الله محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة الرازي، مات سنة (270) ، (( تذكرة الحفاظ ) ) (2/ 575) .قال الحافظ: ثقة حافظ .. من الحادية عشر/ س. (تقريب) (2/ 207) .
(5) الحافظ العلامة شيخ ما وراء النهر، أبو علي صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب الأسدي مولاهم البغدادي، نزيل بخارى، كان ثبتاً صدوقاً مشهوراً. قال أبو سعد الإدريسي: ما أعلم بعصر صالح بالعراق ولا بخراسان في الحفظ مثله ... ، (( تذكرة الحفاظ ) ) (2/ 541 - 543) .
(6) انظر: (( تاريخ بغداد ) ) (2/ 262) وقال: محمد بن حميد أحاديثه تزيد وما رأيت أجرأ على الله منه.
(7) (( تاريخ بغداد ) ) (2/ 260)
(8) (( تاريخ بغداد ) ) (2/ 263) .
(9) كتاب (( المجروحين ) ) (2/ 203) . وقال البخاري في (( التاريخ ) ) (ق1/ج1/ 69) : فيه نظر. وقال إسحاق بن منصور: أشهد على محمد بن حميد وعبيد بن إسحاق العطار أنهما كذابان. (( تاريخ بغداد ) ) (2/ 263) . وجرت له قصتان مع أبي حاتم الرازي ومحمد بن عيسى الدامغاني اتضح منهما كذبه العريض. (( الجرح والتعديل ) )لابن أبي حاتم (7/ 232 - 233) . راجع هذه الأقوال في (( تهذيب الكمال ) ) (3/ 1190 - 1191) ، و (( تهذيب التهذيب ) ) (9/ 127 - 131) ، و (( الميزان ) ) (3/ 530) .
(10) الإمام الفقيه أحمد بن أبي بكر الزهري المدني، قاضي المدينة وعالمها، سمع مالكاً وطائفة. وفاته كما ذكر شيخ الإسلام. راجع (( الكاشف ) ) (1/ 53) ، و (( التقريب ) ) (1/ 12) ، و (( التذكرة ) ) (ص 482) .
(11) الأمر كما ذكر المؤلف. انظر (( الكاشف ) ) (1/ 52) ، و (( التقريب ) ) (1/ 11) .
(12) لعله يشير بهذا إلى معظم رجال الإسناد من ابن دلهات إلى يعقوب بن إسحاق، وقد أخبرت أني لم أقف لهم على خبر بعد بحث، فلعل واحداً من هؤلاء المجهولين اخترع هذه الحكاية إن سلم من اختراعها ابن حميد.