فهرس الكتاب
الصفحة 1025 من 4009

ثانيا: لو حملنا الحديث المنسوب إلى النبي بهذا اللفظ على النفي لكنا قد كذبنا الواقع؛ فإن جزيرة العرب في تحديدهم (جنوباً وشمالاً: من عدن إلى ديار بكر، وشرقاً وغرباً: من العراق إلى مصر، فتدخل فيها اليمن، والحجاز، ونجد، والعراق، والشام، ومصر) [1] ، فإن قلنا بحمل الحديث على النفي فإننا قد فتحنا لغير المسلمين بابا للضحك على عقولنا في رد الأحاديث، بدلالة كذب الواقع له، فإن في هذه الديار المذكورة كم من الأديان، وكم من الكنائس أيضاً، وهي مازالت معمورة من أول الإسلام حتى عصرنا الحاضر.

ثالثاً: أن ما ذكره هذا الضال من الحديث الذي رواه الإمام مالك في الموطأ، وما ورد أيضاً بلفظ: (( لا يبقين دينان بأرض العرب ) ) [2] ، وما رواه الإمام أحمد في (المسند) بلفظ: (( لا يترك بجزيرة العرب دينان ) ) [3] ، كل هذه الأحاديث إنما جاءت في سياق رواية وصية النبي صلى الله عليه وسلم وآخر عهده في حياته، وهي تدل صراحة على أن المراد بالحديث إنما هو النهي لا النفي كما فهمه هذا المفتون.

رابعاً: أن جميع من روى هذا الحديث من أصحاب الحديث كلهم ذكروه بعبارات تدل على أن المراد هو النهي، لا النفي، فمن هذه الروايات ما يلي:

1 -عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ... ) ) [4] .

2 -عن عمر قال: (لئن عشت - إن شاء الله - لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) [5] .

وهناك روايات صريحة تدل على أن هذا إنما هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، منها:

1 -عن ابن عباس: في حديث طويل قال صلى الله عليه وسلم: (( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) ) [6] .

وبعد هذه الروايات الواضحة لا يقول بحمل الحديث على النفي إلا الغبي الجاهل الذي ليس له أي مشاركة في هذا العلم الشريف. والله أعلم.

ومما اشتبه عليهم أيضاً:

3 -قوله صلى الله عليه وسلم: (( إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرتكم - جزيرة العرب ) ) [7]

هكذا ذكره بعضهم، وقال آخر [8] :

(1) ابن جرجيس في (( صلح الإخوان ) ) (ص: 144) ، وانظر ما قال سليمان بن عبد الوهاب في (( الصواعق الإلهية ) ) (ص: 44 - 47) .

(2) رواه مالك في (( الموطأ ) ) (2/ 592) (1583) والبيهقي (6/ 135) مرسلا عن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه. قال البيهقي: مرسل. وقال ابن عبد البر في (( التمهيد ) ) (1/ 165) : مقطوع يتصل من وجوه حسان. وقال ابن الملقن (( شرح البخاري ) ) (17/ 137) : أسانيده منقطعة.

(3) (( مسند أحمد ) ) (6/ 274) (26395) ، ورواه ابن إسحاق كما في (( سيرة ابن هشام ) ) (6/ 88) والطبراني في (( المعجم الأوسط ) ) (2/ 12) (1066) . من حديث عائشة، وصححه الدارقطني كما في (( نصب الراية ) ) (3/ 451) ، وقال الهيثمي في (( مجمع الزوائد ) ) (5/ 328) : رجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. وحسن إسناده الألباني في (( التعليقات الرضية ) ) (3/ 493) وحسنه الوادعي في (( الصحيح المسند ) ) (1650) .

(4) رواه مسلم (1767) .

(5) رواه والترمذي (1606، 1607) وأحمد (1/ 32) (215) وابن حبان (9/ 69) (3753) ، والحاكم (4/ 305) (7721) . وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال الألباني في (( صحيح الترمذي ) ) (1606) : صحيح. ورواه مسلم (1767) وأبو داود (3030) ، بدون لفظة: (( لئن عشت ) ).

(6) رواه البخاري (3053) ، ومسلم (1637) .

(7) رواه الترمذي (3087) ، وابن ماجه (2497) ، والنسائي في (( السنن الكبرى ) ) (2/ 444) (4100) . من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في (( صحيح سنن ابن ماجه ) ).

(8) سليمان بن عبد الوهاب: (( الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية ) ) (ص: 41) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام