فهرس الكتاب
الصفحة 803 من 4009

فهذه آية من كلام الله وهي آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، ووردت أحاديث فيها تخصيص بعض الآيات من كتاب الله بفضائل، كما ثبت في الآيتين من آخر البقرة أن من قرأهما في ليلة كفتاه [1] ، وكذا ثبت في بعض السور، نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (( يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران ) ) [2] . فهذا في تفضيل هاتين السورتين من كلام الله، وفي حديث ابن عباس قال: (( بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال هذا ملك نزل إلى الأرض. لم ينزل قط إلا اليوم. فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك. فاتحة الكتاب, وخواتيم سورة البقرة. لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته ) ) [3] . وقال صلى الله عليه وسلم: (( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ) ) [4] . وقال: (( والذي نفسي بيده لتعدل ثلث القرآن ) ) [5] ووردت أحاديث عديدة يطول حصرها فيها ما ذكر من تخصيص بعض الآيات والسور بفضائل، وجميعها يدل على أن كلام الله يتفاضل، قال الغزالي: (لعلك تقول: قد توجه قصدك في هذه التنبيهات إلى تفضيل بعض القرآن على بعض, والكل قول الله تعالى فكيف يفارق بعضها بعضاً؟ وكيف يكون بعضها أشرف من بعض؟ فاعلم: أن نور البصيرة إن كان لا يرشدك إلى الفرق بين آية الكرسي وآية المداينات، وبين سورة الإخلاص وسورة تبت، وترتاع من اعتقاد الفرق نفسك الجوارة، المستغرقة بالتقليد، فقلد صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، فهو الذي أنزل عليه القرآن، وقد دلت الأخبار على شرف بعض الآيات وعلى تضعيف الأجر في بعض السور المنزلة [6] ونقل السيوطي عن العز بن عبد السلام قوله: (كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره، فـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أفضل من تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ [7] . فهذا من وجوه تفاضل صفة الكلام ومن وجوهها أيضاً ما قاله ابن تيمية: (فإذا كان المخبر به أكمل وأفضل كان الخبر به أفضل وإذا كان المأمور به أفضل كان الأمر به أفضل [8] وقد قال تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: 51] . قال ابن تيمية: (معلوم أن تكليمه من وراء حجاب أفضل من تكليمه بالإيحاء وبإرسال رسول، ولهذا كان من فضائل موسى عليه السلام أن الله كلمه تكليماً وقال: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف: 144] . ولقد قال تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 106] . قال ابن تيمية:(أخبر أنه يأت بخير منها أو مثلها، وهذا بيان من الله لكون تلك الآية قد يأتي بمثلها تارة أو خير منها أخرى فدل ذلك على أن الآيات تتماثل تارة وتتفاضل أخرى) [9] .. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي - ص80

(1) الحديث رواه البخاري (4008) ، ومسلم (808) . من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه.

(2) رواه مسلم (805) . من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه.

(3) رواه مسلم (806) . من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(4) رواه مسلم (812) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5) رواه البخاري (5013) . من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(6) (( جواهر القرآن ) ) (ص: 62) .

(7) (( الإتقان ) ) (2/ 199) .

(8) (( جواب أهل العلم والإيمان ) ) (ص: 61) .

(9) (( جواب أهل العلم والإيمان ) ) (ص: 61) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام