وهذا أصل عظيم جليل طلبه الشارع واعتبره قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24] وقال: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185] وقال: يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 28] .
وقال صلى الله عليه وسلم: (( الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ) [1] .
وقال صلى الله عليه وسلم (( لا ضرر ولا ضرار ) ) [2] .
ومن مقررات الشريعة المتفق عليها: لزوم الدية في القتل على العامد والمخطئ، والعالم والجاهل، والصغير والكبير؛ وكذا غرام المتلفات على جميع هؤلاء تحقيقاً لمصالح العباد.
وبعد تقدير المصالح وتمييزها والقدرة على الموازنة بينها وبين المفاسد من أدق المسائل المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما كان المحتسب أقدر على معرفة ذلك وتمييزه كلما كان احتسابه أقوى وأثبت.
ويكفي في بيان أهمية هذا الجانب أن مدار بعثة الرسل وإنزال الكتب والشرائع قائم عليه، فلم تبعث الرسل وتنزل الشرائع إلا لجلب المصالح وتحصيلها من عبادة الله وحده لا شريك له وظهور شرعه ودينه .. ودفع المفاسد وتعطيلها.
وهذه هي حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا وأعلم أن أصل المصلحة: المنفعة، وهي في اصطلاح الشرع (جلب المنفعة ودفع المفسدة في نظر الشارع) فهي إما أن تكون نفعاً يجلب أو ضرراً يدفع.
والمراد بالمنافع: اللذات والأفراح وأسبابها، وضدها المفاسد التي هي الآلام والغموم وأسبابها. وقد يعبر عنهما بالخير والشر والنفع والضر.
وطريق تحديد المصلحة إنما هو الشرع، لا القانون أو العرف أو العقل أو الذوق .. فكل ما أمر به الشرع فهو مصلحة، وكل ما نهى عنه فهو مفسدة.
ثم اعلم أن المصالح الشرعية دائمة أبدية تشمل الدنيا والآخرة، كما أنها شاملة، فلا تختص بالبعض دون غيرهم، أو فئة دون الأخرى، بل تخدم الأمة عامة وتعود على الناس بحفظ ضروراتهم وحاجياتهم وما كان لهم به نفع. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخالد بن عثمان السبت - ص 228
(1) رواه مسلم (35) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه ابن ماجه (1909) ، وأحمد (5/ 326) (22830) ، والبيهقي (6/ 156) (12224) . من حديث عبادة بن الصامت. قال البوصيري في (( زوائد ابن ماجه ) ) (3/ 48) : هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع. والحديث صححه الألباني في (( صحيح سنن ابن ماجه ) ). والحديث مشهور روي من طرق عن عبد الله بن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وعائشة بنت أبي بكر الصديق، وثعلبة بن أبي مالك القرظي، وأبي لبابة رضي الله عنهم جميعاً.