والذي يوضح ذلك: أن هذا اليوم يوم - عاشوراء - الذي صامه وقال: (( نحن أحق بموسى منكم ) ), قد شرع - قبيل موته - مخالفة اليهود في صومه، وأمر صلى الله عليه وسلم بذلك، ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنهما وهو الذي يقول: وكان يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، وهو الذي روى قوله: (( نحن أحق بموسى منكم ) )- أشد الصحابة رضي الله عنهم أمراً بمخالفة اليهود في صوم عاشوراء، وقد ذكرنا أنه هو الذي روى شرع المخالفة.
وروى - أيضاً - مسلم في (صحيحه) عن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس، وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: (( إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً، فقلت: هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم ) ) [1] .
وروى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ) ) [2] , يعني يوم عاشوراء، ومعنى قول ابن عباس: صم التاسع يعني والعاشر، هكذا ثبت عنه، وعلله بمخالفة اليهود، قال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان بن عمرو بن دينار، أنه سمع عطاء، سمع ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود.
وروينا في فوائد داود بن عمرو، عن إسماعيل بن علية قال: ذكروا عند ابن أبي نجيح، أن ابن عباس كان يقول: يوم عاشوراء يوم التاسع فقال ابن أبي نجيح: إنما قال ابن عباس: أكره أن أصوم يوماً فاردا، ولكن صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً.
ويحقق ذلك: ما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم ) ) [3] ، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروى سعيد في (سننه) عن هشيم، عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي، عن أبيه عن جده ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده ) )ورواه أحمد ولفظه: (( صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً ) ) [4] ، ولهذا ذهب أحمد على مثل ما رواه ابن عباس وأفتى به، فقال في رواية الأثرم: أنا أذهب في عاشوراء: أن يصام يوم التاسع والعاشر، لحديث ابن عباس: (( صوموا التاسع والعاشر ) ) [5] ، وقال حرب: سألت أحمد عن صوم يوم عاشوراء، فقال: يصوم التاسع والعاشر، وقال في رواية الميموني، وأبي الحارث: من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام، ابن سيرين يقول ذلك.
وقد قال بعض أصحابنا: إن الأفضل صوم التاسع والعاشر، وإن - اقتصر على العاشر لم يكره.
(1) [1196] )) رواه مسلم (1133) (132) .
(2) [1197] )) رواه مسلم (1133) (134) .
(3) [1198] )) رواه الترمذي (755) , وقال حديث ابن عباس حسن صحيح, وصححه الألباني في (( صحيح سنن الترمذي ) ), وقال الوادعي في (( أحاديث معلة ) ) (206) : سنده رجال الصحيح ولكنه منقطع.
(4) [1199] )) رواه أحمد (1/ 241) (2154) , والبيهقي في (( السنن الكبرى ) ) (4/ 287) , وابن خزيمة في (( صحيحه ) ) (3/ 290) , قال ابن عدي في (( الكامل في الضعفاء ) ) (3/ 554) : [فيه] داود بن علي عندي أنه لا بأس برواياته, وقال ابن القيسراني في (( ذخيرة الحفاظ ) ) (3/ 1543) : [فيه] داود بن علي سئل يحيى بن معين عنه فقال: أرجو أنه لا يكذب, وقال الشيخ الألباني في (( صحيح ابن خزيمة ) ) (2095) : إسناده ضعيف، وروي موقوفاً وسنده صحيح.
(5) [1200] )) رواه البيهقي في (( السنن الكبرى ) ) (4/ 287) .