أي لعنهم الله جل وعلا في الإنجيل والزبور على لسان هذين النبيين -عليهما السلام- بأن أنزل الله سبحانه وتعالى: ملعون من يكفر من بني إسرائيل بالله أو بأحد من رسله عليهم السلام [1] .
وقيل: لعن الأسلاف والأخلاف ممن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم على لسان داود وعيسى بن مريم لأنهما أعلما أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي مبعوث فلعنا من يكفر به [2] .
ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ أي لم يكن اللعن الشنيع الذي كان سبب المسخ إلا لأجل المعصية والاعتداء لا شيء آخر، ثم فسر المعصية بقوله: كانوا لا يتناهون لا ينهى بعضهم بعضاً عن منكر فعلوه للتعجب من سوء فعلهم مؤكداً لذلك بالقسم.
فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المناكير وقلة عبئهم به كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كلام الله وما فيه من المبالغات في هذا الباب [3] .
وقيل لا ينهى بعضهم بعضاً عن معاودة منكر فعلوه أو عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله وتهيؤوا له ولا ينهون عنه [4] .
فالله سبحانه وتعالى لعن بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام بسبب أمور منها: أنهم لا يتناهون عن المنكرات الموجودة لديهم. وفي ذلك تحذير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا يتهاونوا في هذا الباب.
وقد جاءت السنة النبوية المطهرة موضحة هذا الجانب ومحذرة من مشابهة بني إسرائيل في تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وروي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول له: اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إلى قوله فاسقون ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم أو لتأطرنه على الحق أطراً أو لتقصرنه على الحق قصراً ) ) [5] وفي رواية (( أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم ) ) [6] .
فهذا الحديث يدل على الحث على القيام بالمعروف والنهي عن المنكر والحذر من تركهما. فقد يصيب الأمة ما أصاب بني إسرائيل من اللعن بسبب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد العزيز بن أحمد المسعود - بتصرف - ص 109
(1) (( روح المعاني ) )الألوسي (6/ 211) بتصرف.
(2) (( الجامع لأحكام القرآن ) )القرطبي (6/ 252) .
(3) (( تفسير الكشاف ) )الزمخشري (2/ 42) .
(4) (( تفسير البيضاوي ) ) (ص: 159) .
(5) رواه أبو داود (4336) ، ورواه الترمذي (3047) ، وابن ماجه (799) ، وأحمد (1/ 391) (3731) . من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن غريب، وقال ابن مفلح في (( الآداب الشرعية ) ) (1/ 194) : إسناده ثقات، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه عندهم، وحسنه ابن حجر في (( تخريج مشكاة المصابيح ) ) (4/ 489) ، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (5/ 268) : إسناده ضعيف، وضعفه الألباني في (( ضعيف سنن أبو داود ) ).
(6) رواها أبو داود (4337) ، والبيهقي (10/ 93) (19983) ، وأبو يعلى (9/ 27) (5094) . من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال ابن مفلح في (( الآداب الشرعية ) ) (1/ 194) : إسناده ثقات، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه عندهم، قال الذهبي في (( تلخيص العلل المتناهية ) ) (281) : فيه خالد بن عمرو كذاب، وضعف هذه الرواية الألباني في (( ضعيف الجامع الصغير ) ) (1822) .