وهذا المذهب منسوب إلى الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. وهم: سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة [1] ، وأبو بكرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وهو: مذهب الحسن البصري [2] والمشهور عن الإمام أحمد بن حنبل وعامة أهل الحديث. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( ... ولهذا كان مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة والصبر على ظلمهم إلى أن يستريح بر، أو يستراح من فاجر ... ) [3] .
هذا وقد ادعى الإجماع على ذلك بعض العلماء كالنووي في شرحه لصحيح مسلم [4] وكابن مجاهد البصري الطائي فيما حكاه عنه ابن حزم [5] ولكن دعوى الإجماع فيها نظر، لأن هناك من أهل السنة من خالف في ذلك [6] .
الأدلة:
استدلوا على مذهبهم وهو ترك الخروج على أئمة الظلم بالسيف بالأدلة التالية:
أولاً: الأحاديث الواردة في الأمر بالطاعة وعدم نكث البيعة والأمر بالصبر على جورهم وإن رأى الإنسان ما يكره. وهي أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي كما ذكر ذلك الشوكاني [7] رحمه الله أهمها:
1 -حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: (بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان) [8] . وفي رواية: (وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) [9] . قال ابن تيمية بعد ذكره لهذا الحديث: (فهذا أمر الطاعة مع استئثار ولي الأمر، وذلك ظلم منه، ونهي عن منازعة الأمر أهله وذلك نهي عن الخروج عليه) [10] .
2 -حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: (( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم قال: لا ما صلوا ) ) [11] .
3 -حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات ... مات ميتة جاهلية ) ) [12] .
4 -حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة ) ) [13] .
5 -حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (( من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) ) [14] .
(1) [13422] )) (( الفصل في الملل والأهواء والنحل ) )لابن حزم (4/ 171) .
(2) [13423] )) (( البداية والنهاية ) )لابن كثير (9/ 135) .
(3) [13424] )) (( مجموع الفتاوى ) ) (4/ 444) .
(4) [13425] )) (( شرح صحيح مسلم ) ) (12/ 229) .
(5) [13426] )) (( مراتب الإجماع ) )لابن حزم (ص: 199) .
(6) [13427] )) (( إكمال المعلم ) )للقاضي عياض (6/ 128) .
(7) [13428] )) (( نيل الأوطار ) ) (7/ 199) .
(8) [13429] )) رواه البخاري (7055) ، ومسلم (1840) .
(9) رواه البخاري (7199) ، ومسلم (1840) .
(10) [13431] )) (( منهاج السنة ) ) (2/ 88) .
(11) [13432] )) رواه مسلم (1854) .
(12) [13433] )) رواه البخاري (7054) ، ومسلم (1849) .
(13) [13434] )) رواه مسلم (1855) .
(14) [13435] )) رواه مسلم (1851) .