فهرس الكتاب
الصفحة 3608 من 4009

وقال أيضاً: (وأما الصلاة خلف المبتدع فهذه المسألة فيها نزاع وتفصيل، فإذا لم تجد إماماً غيره كالجمعة التي لا تقام إلا بمكان واحد، وكالعيدين وكصلوات الحج خلف إمام الموسم، فهذه كلها تفعل خلف كل بر وفاجر باتفاق أهل السنة والجماعة) [1] .

فظهر من ذلك أن الأئمة لا يختلفون في جواز الصلاة خلف أئمة البدع الدعاة إلى بدعهم، إن لم يكن إقامتها خلف غيرهم من أهل السنة.

وأما إن أمكنه أن يصلي خلف إمام من أهل العدل، ومع ذلك صلى خلف الحاكم المبتدع، فهنا حصل النزاع بين العلماء في صحة صلاته، مع اتفاقهم على كراهية ذلك.

ولهم في ذلك قولان:

القول الأول: أن الصلاة صحيحة ولكنها مكروهة، وهذا مذهب أبي حنيفة [2] ، والشافعي [3] ، وهو أحد القولين في مذهب مالك [4] وأحمد [5] ، وعليه عامة أهل العلم وجمهور أصحاب الأئمة الأربعة [6] .

والقول الثاني: أن الصلاة لا تصح ويجب على المصلي خلف الولاة المبتدعة أن يعيد صلاته، وهو الرواية الأخرى عن مالك [7] وأحمد [8] - رحم الله الجميع - وهذه الرواية هي المذهب عند الحنابلة [9] .

والقول الأول (هو الصحيح - إن شاء الله - فبالإضافة إلى أنه قول عامة السلف فهو الذي تقتضيه أصول الشريعة وقواعد الدين. فإن الحكم ببطلان عمل ما مما شرعه الله لعباده لا يكون إلا بانخرام أحد شروط الصحة المقررة لقبوله في الشرع) [10] .

أما إن كان الحاكم يخفي بدعته ويسر بها، فإن لم يمكن أداء الصلاة إلا خلفه كالجمع والجماعات، فمن باب أولى أن الصلاة خلفه صحيحة، وأن معيدها بعد أن صلاها خلفه معدود من أهل البدع، وذلك لأن المستتر أخف من المعلن ببدعته فلما صحت هناك كان من الأولى أن تصح هنا.

أما إن أمكن أن تصلى خلف غيره من أهل العدل، فإن الصلاة خلف أهل العدل أولى من الصلاة خلف الحاكم المبتدع المسر ببدعته، مع صحتها خلف الحاكم المبتدع المسر ببدعته، فالحكم بصحة الصلاة هنا أولى من الحكم بصحة الصلاة خلف المعلن ببدعته.

قال ابن قدامة رحمه الله: (فإن كان ممن يخفي بدعته وفسوقه صحت الصلاة خلفه) [11] .

لكن ينبغي التنبيه على أن الصلاة لا تترك خلف المبتدع المسر ببدعته غير المعلن لها إنكاراً عليه، لأن الإنكار يكون على من أظهر البدعة، أما المسر بها الساكت عنها، لا ينكر عليه في الظاهر بل يناصح سراً.

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، وخلف أهل الفجور، ففيه نزاع مشهور وتفصيل ليس هذا موضع بسطه.

(1) (( مجموع الفتاوى ) ) (23/ 355) .

(2) انظر: (( فتح القدير ) )لابن الهمام (1/ 304) ، و (( الكفاية ) )للمرغيناني (1/ 305) ، و (( مجمع الأنهر ) )لداماد أفندي (1/ 108) .

(3) انظر: (( المجموع ) )للنووي (1/ 150 - 151) ، و (( الحاوي ) )للماوردي (2/ 328) .

(4) انظر: (( الفواكه الدواني ) )للنفراوي (1/ 239) ، و (( المعيار المعرب ) )للونشريسي (2/ 338 - 339) .

(5) انظر: (( المغني ) )لابن قدامة (3/ 22) ، و (( الإنصاف ) )للمرداوي (2/ 253) .

(6) انظر: (( المعيار المعرب ) )للونشريسي (2/ 338 - 339) ، و (( مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ) ) (3/ 280) .

(7) انظر: تفسير القرطبي (1/ 356) ، و (( الجامع ) )لابن أبي زيد القيرواني (ص: 148) ، و (( المعيار المعرب ) )للونشريسي (2/ 338) .

(8) انظر: (( المغني ) )لابن قدامة (3/ 22) ، و (( الإنصاف ) )للمرداوي (2/ 253) .

(9) كما حكاه المرداوي في (( الإنصاف ) ) (2/ 252) .

(10) (( موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع ) )للشيخ الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي (1/ 364) .

(11) (( المغني ) ) (3/ 23) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام