وقال الفضيل بن عياض: (لو أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للإمام لأن به صلاح الرعية، فإذا صلح أمنت العباد والبلاد) [1] .
وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: (لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم) [2] .
هذا بشرط أن يكون الإمام من أئمة العدل، أما أئمة الجور والفسق فلا يعانون على فسقهم وظلمهم، وقد قال مالك رحمه الله فيما رواه عنه ابن القاسم أنه قال: (إن كان الإمام مثل عمر بن عبد العزيز وجب على الناس الذب عنه والقتال معه، وأما غيره فلا، دعه وما يراد منه ينتقم الله من الظالم بظالم، ثم ينتقم من كليهما) [3] .
بل إذا رأى المسلم أنه لا فائدة من الدخول عليهم ومناصحتهم أو خاف على نفسه فتنتهم فعليه اعتزالهم، وترك الدخول عليهم، والحذر من موافقتهم على باطل، يدل على ذلك ما يلي:
1 -حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني، ولست منه، وليس بوارد عليَّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه، وهو وارد عليَّ الحوض ) ) [4] .
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: (ليت شعري من الذي يدخل إليهم اليوم فلا يصدقهم على كذبهم، ومن الذي يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم، ومن الذي ينصح ومن الذي ينتصح منهم؟ إن أسلم لك يا أخي في هذا الزمان وأحوط لدينك أن تقل من مخالطتهم وغشيان أبوابهم ونسأل الله الغنى عنهم والتوفيق لهم) [5] .
... وهذا في القرن الرابع الهجري فما بالك بالخامس عشر!!!
2 -ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (( من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد عبد من السلطان قربًا إلا ازداد من الله بعدًا ) ) [6] .
3 -وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... وإن أبغض القراء إلى الله الذي يزورون الأمراء ) ) [7] .
4 -وروي عن حذيفة رضي الله عنه قال: (إياكم ومواطن الفتن، قيل: وما هي؟ قال: أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير، فيصدقه بالكذب ويقول ما ليس فيه) [8] .
وقال خالد بن زيد: سمعت محمد بن علي - الباقر - يقول: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إذا رأيتم القارئ يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا وإذا رأيتموه يلزم السلطان فهو لص) [9] .
(1) [13261] )) (( البداية والنهاية ) ) (10/ 199) .
(2) [13262] )) (( تفسير القرطبي ) ) (5/ 260) .
(3) [13263] )) (( شرح الخرشي على مختصر خليل ) ) (8/ 60) ، وانظر: (( أحكام القرآن ) )لابن العربي (4/ 1721) .
(4) [13264] )) رواه الترمذي (2259) ، والنسائي (7/ 160) ، وابن حبان (1/ 512) (279) ، والحاكم (1/ 151) . قال الترمذي: صحيح غريب، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في (( الأحكام الصغرى ) ) (495) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه الألباني في (( صحيح سنن الترمذي ) ).
(5) [13265] )) (( العزلة للخطابي ) ) (ص: 92) .
(6) [13266] )) رواه أحمد (2/ 371) (8823) ، والبيهقي (10/ 101) (20752) . قال الهيثمي في (( مجمع الزوائد ) ) (5/ 249) : أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح خلا الحسن بن الحكم النخعي وهو ثقة، وصح إسناده العجلوني في (( كشف الخفاء ) ) (2/ 309) .
(7) [13267] )) رواه الترمذي (2383) ، وابن ماجه (50) ، الطبراني في (( الأوسط ) ) (3/ 261) (3090) ، والبيهقي في (( شعب الإيمان ) ) (5/ 339) . قال الترمذي: حسن غريب.
(8) [13268] )) رواه أبو نعيم في (( حلية الأولياء ) ) (1/ 277) .
(9) [13269] )) (( البداية والنهاية ) ) (9/ 310) .