والذي يدلّ على ما سبق ذكره من وجوب مباشرة الإمام بنفسه وعدم الاحتجاب عن رعيته والنصح لهم ما رواه أبو داود بإسناد إلى أبي مريم الأزدي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( من ولاَّه الله عز وجل شيئًا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخُلَّتِهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره ) ) [1] . واختلف في مشروعية الحاجب للحكام ... [2]
رابعًا: الرفق بالرعية والنصح لهم وعدم تتبع عوراتهم:
كما أن من واجبه أيضًا الرفق بهذه الرعية التي استرعاه الله أمرها، والنصح لهم، وعدم تتبع سوءاتهم وعوراتهم، وقد ورد في هذا الواجب أحاديث وآثار كثيرة منها:
ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بيتي هذا: (( اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به ) ) [3] .
قال النووي: (هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس، وأعظم الحثِّ على الرفق بهم، وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى) [4] .
ومنها ما رواه البخاري بسنده إلى الحسن قال: إن عبيد الله بن زياد زار مَعْقِل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( ما من عبد يسترعيه الله رعية من المسلمين فيموت وهو غاشّ لهم إلا حرَّم الله عليه الجنة ) ) [5] . وعند مسلم قال - صلى الله عليه وسلم: (( ما من عبد يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل الجنة معهم ) ) [6] .
وعن الحسن أن عائذ بن عمرو كان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على عبيد الله بن زياد فقال: أي بني: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( إن شرَّ الرّعاء الحُطَمَةَ [7] ، فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم ) ) [8] .
ومنها ما رواه أبو داود بسنده عن أبي أمامة قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا ابتغى الأمير الرِّيبة في الناس أفسدهم ) ) [9] .
(1) [13187] )) رواه أبو داود (2048) ، والبيهقي (10/ 101) (20045) . والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في (( الأحكام الصغرى ) ) (487) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال ابن الملقن في (( البدر المنير ) ) (9/ 567) : رجال إسناده كلهم ثقات.
(2) [13188] )) فمنهم من أجازه ومنهم من معه. انظر: (( تكملة المجموع ) )لمحمد نجيب المطيعي (20/ 132) ، و (( المغني ) )لابن قدامة (11/ 387) .
(3) [13189] )) رواه مسلم (1828) .
(4) [13190] )) (( شرح صحيح مسلم ) )للنووي (12/ 213) .
(5) [13191] )) رواه البخاري (7150) ، ورواه مسلم (142) واللفظ له.
(6) [13192] )) رواه مسلم (142) بلفظ: (( ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة ) ).
(7) [13193] )) الحُطمة: العنيف المتعسف قليل الرحمة. انظر: (( لسان العرب ) ) (12/ 139) مادة (حطم) .
(8) [13194] )) رواه مسلم (1830) .
(9) [13195] )) رواه أبو داود (4889) ، وأحمد (6/ 4) (23866) ، والحاكم (4/ 419) . والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه ابن حجر في (( تخريج مشكاة المصابيح ) ) (3/ 469) كما قال ذلك في المقدمة، وصححه لغيره الألباني في (( صحيح سنن أبي داود ) ).