ومن الأشاعرة إمام الحرمين الجويني حيث مال إلى عدم اشتراطه، وزعم أنه من أخبار الآحاد وهو على مذهبه الباطل لا يحتج به في مثل هذه المسائل حيث قال: (وهذا مسلك لا أوثره، فإن نقلة هذا الحديث معدودون لا يبلغون مبلغ عدد التواتر والذي يوضح الحق في ذلك: أنا لا نجد في أنفسنا ثلج الصدور واليقين المثبوت بصدد هذا من فلق [1] . في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما لا نجد ذلك في سائر أخبار الآحاد، فإذًا لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة) [2] وقال في كتابه (الإرشاد) : (وهذا مما يخالف فيه بعض الناس، وللاحتمال فيه عندي مجال، والله أعلم بالصواب) [3] .
وقد اختلف قول أبي بكر الباقلاني، فاشترط القرشية في كتابه (الإنصاف) فقال: (ويجب أن يعلم أن الإمامة لا تصلح إلا لمن تجتمع فيه شرائط منها: أن يكون قرشيًا لقوله - صلى الله عليه وسلم:(( الأئمة من قريش ) ) [4] ولم يشترطها في كتابه (التمهيد) حيث قال: (إن ظاهر الخبر لا يقضي بكونه قرشيًا، ولا العقل يوجبه) [5] .
وإلى نفي اشتراط القرشية ذهب أكثر الكتاب المحدثين منهم: الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية) وذهب إلى أن الأحاديث الواردة مجرد أخبار لا تفيد حكمًا [6] ، ومنهم العقاد [7] ، ومنهم د. علي حسني الخربوطلي في كتابه (الإسلام والخلافة) [8] وتجرأ على رمي الأحاديث المذكورة بالوضع، ومنهم د. صلاح الدين دبوس في كتابه (الخليفة توليته وعزله) وذهب إلى أن هذه الأحاديث مجرد أخبار [9] ، ومنهم الأستاذ محمد المبارك رحمه الله وعفا عنه واعتبرها من باب السياسة الشرعية المتغيرة بتغير العوامل [10] .
واستدل من ذهب إلى نفي اشتراط القرشية بما يلي:
1 -بقول الأنصار يوم السقيفة (منا أمير ومنكم أمير) [11] قالوا: فلو لم يكن الأنصار يعرفون أنه يجوز أن يتولى الإمامة غير قرشي لما قالوا ذلك.
2 -ومن أدلتهم أيضًا ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسوا الله - صلى الله عليه وسلم: (( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) ) [12] فالحديث أوجب الطاعة لكل إمام وإن كان عبدًا، فدل على عدم اشتراط القرشية.
(1) [13067] )) الفلق: بيان الحق بعد إشكاله.
(2) [13068] )) (( غياث الأمم ) )للجويني (ص: 163) .
(3) [13069] )) (( الإرشاد إلى قواعد الأدلة في أصول الاعتقاد ) )لأبي المعالي الجويني (ص: 427) .
(4) [13070] )) (( الإنصاف ) )للباقلاني (ص: 69) .
(5) [13071] )) نقلاً عن الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقه على (( الصواعق المحرقة ) )للهيتمي (ص: 9) ولم أقف على هذا الكلام في كتاب (( التمهيد ) )لأن النسخة الموجودة المتداولة الآن من تحقيق جماعة من المستشرقين، وقد حذفوا كتاب (( الإمامة ) )كاملاً، وقد نسب هذا الكلام إلى الباقلاني ابن خلدون أيضًا. انظر: (( المقدمة ) ) (ص: 194) .
(6) [13072] )) (( تاريخ المذاهب الإسلامية ) ) (1/ 90) .
(7) [13073] )) (( الديمقراطية في الإسلام ) ) (ص: 69) .
(8) [13074] )) (( الإسلام والخلافة ) ) (ص: 42) .
(9) [13075] )) (( الخليفة توليته وعزله ) ) (ص: 270) .
(10) [13076] )) (( نظام الإسلام في الحكم والدولة ) ) (ص: 71) .
(11) رواه البخاري (3667، و3668) . من حديث عائشة رضي الله عنها.
(12) رواه البخاري (7142) .