وكثيراً ما يحكي الصوفية قصصاً وروايات عمن يسمونهم الأولياء، تتضمن هذه القصص سقوط الفرائض، أو بعضها عنهم، بل ويحكى عنهم فعل الفواحش والمنكرات واستحلالها، وفي (طبقات الشعراني) ، و (جامع كرامات الأولياء) للنبهاني من ذلك الكثير، فمنه مثلاً: ما ذكره العطار عن ذي النون المصري أنه نصح أحد مريديه بترك الصلاة، فعلق العطار قائلاً: لو سأل سائل ما الحكمة في الأمر بترك الصلاة؟ فالجواب: إن الطريقة أحياناً تخالف ظاهر الشريعة كقتل الخضر الولد بدون سبب ظاهري، فإذاً لا إنكار في الطريقة على مثل هذه الأمور. وحكي عن العطار نفسه أنه كان تاركاً للصلاة وكان يقول: إن الله رفع عني فريضة الصلاة [1] .
وذكر الشعراني [2] في آخر كتابه (الطبقات الكبرى) مشايخه الذين أدركهم في القرن العاشر، فقال: (وفيهم سيدي بركات الخياط رضي الله تعالى عنه: كان رضي الله عنه من الملامتية) [3]
قال: (مدحته للشيخ جمال الدين الصائغ مفتي الجامع الأزهر وجماعة فقالوا: امضوا بنا نزوره وكان يوم جمعة فسلم المؤذن على المنارة، فقالوا: نصلي الجمعة، فقال: ما لي عادة بذلك، فأنكروا عليه، فقال: نصلي اليوم لأجلكم ... ) [4] .
(ومنهم: سيدي الشريف المجذوب - رضي الله عنه ورحمه - وكان رضي الله عنه يأكل في نهار رمضان، ويقول: أنا معتوق، أعتقني ربي ... ) [5] ، (ومنهم: الشيخ شعبان المجذوب، وذكر من أحواله أنه كان يقرأ سوراً غير السور التي في القرآن على كرسي المساجد يوم الجمعة وغيرها، ... وكان يرى حلال زينة الدنيا كالحرام في الاجتناب، وكان الخلائق تعتقده اعتقاداً زائداً لم أسمع قط أحدا ينكر عليه شيئاً من حاله، بل يعدون رؤيته عيداً عندهم ... ) [6] .
لعل فيما ذكرنا كفاية وغنية يتبين من خلالها إتيان الصوفية للمحظور وتركهم الواجب وادعائهم أن بعض الناس، يصل إلى درجة يسقط عنه التكليف، ويستغني عن الشريعة وعن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم [7] . نواقض الإيمان الاعتقادية لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي - 2/ 74
(1) (( تذكرة الأولياء ) )لفريد الدين العطار (ص: 73، 86) نقلاً عن: (( دراسات في التصوف ) )إحسان إلهي ظهير رحمه الله (ص: 98) .
(2) هو: عبدالوهاب بن أحمد بن علي الشعراني، فقيه، أصولي، من أعلام الصوفية، ولد في قلقشنده بمصر سنة 898 هـ له تصانيف كثيرة منها: (( الجوهر المصون والسر المرقوم ) )و (( لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ) )توفي سنة 973 هـ. انظر: (( شذرات الذهب ) )لابن العماد الحنبلي (8/ 372) ، (( فهرس الفهارس ) )للكتاني (2/ 405) ، (( معجم المؤلفين ) )لعمر كحالة (218) .
(3) الملامتية: ومقصودهم الظهور بين الناس بالمظاهر التي لا تتفق مع الشرع؛ كإتيان البهائم، وشرب الخمور، والسرقة ليستروا عن الناس ولايتهم - زعموا - وليستجلبوا ملامة الناس وتأنيبهم فيسقطوا من أعينهم، ومن أشهر رجالهم: حمدون القصار، وأبو حفص الحداد. انظر: (( تلبيس إبليس ) )لابن الجوزي (ص: 482،491) ، (( دراسات في التصوف الإسلامي ) )، د. محمد جلال شرف، (( الكشف عن حقيقة التصوف ) )لمحمود القاسم (ص: 355) .
(4) (( الطبقات الكبرى ) ) (2/ 144) .
(5) (( الطبقات الكبرى ) ) (2/ 150) .
(6) (( الطبقات الكبرى ) ) (2/ 185، 186) .
(7) يراجع في هذا mm المبحث: (( التصوف المنشأ والمصادر ) )لإحسان إلهي ظهير - رحمه الله - (260 - 273) ، (( أصول الإسماعيلية ) )رسالة دكتوراه (مخطوطة) د. سليمان السلومي (2/ 834 - 841) ، ورسالة (( التكفير والمكفرات ) )رسالة ماجستير (مخطوطة) حسن بن علي العواجي (2/ 455 - 466) .