4 -ومن الأحاديث المشهورة في العذر بالخطأ قوله- صلى الله عليه وسلم: (( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه ) ) [1] ، قال الحافظ ابن رجب في شرحه لهذا الحديث (الخطأ: هو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده، مثل أن يقصد قتل كافر فصادف قتله مسلماً، والنسيان أن يكون ذاكراً الشيء فينساه عند الفعل، وكلاهما معفو عنه: يعني لا إثم فيه، ولكن رفع الإثم لا ينافي أن يترتب على نسيانه حكم، ولو قتل مؤمناً خطأ فإن عليه الكفارة والدية بنص الكتاب، وكذا لو أتلف مال غيره خطأ بظنه أنه مال نفسه .. ) إلى أن يقول: (والأظهر، والله أعلم أن الناسي والمخطئ إنما عفي عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما لأن الإثم مرتب على المقاصد والنيات، والناسي والمخطئ لا قصد لهما فلا إثم عليهما، وأما رفع الأحكام عنهما فليس مراداً من هذه النصوص فيحتاج في ثبوتها ونفيها إلى دليل آخر [2] . وقد استدلوا بالحديث المشهور في قصة الرجل من بني إسرائيل [3] ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في تعليقه عليها:(فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل هذين الاعتقادين كفر، يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته، فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل فيغفر الله خطأه، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك، فعظيم .. ) [4] .
فهذا الحديث كثيراً ما يستدل به شيخ الإسلام في مسائل العذر بالجهل والخطأ، والتأويل.
(1) رواه ابن ماجه (2045) واللفظ له، والحاكم (2/ 198) ، والبيهقي (7/ 356) بلفظ: (تجاوز لي) . من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: جوّد إسناده بشر بن بكر وهو ثقة. والحديث صحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في (( الأحكام الصغرى ) ) (ص: 99) -كما أشار لذلك في مقدمته -. وحسنه النووي في (( الأربعين النووية ) ) (ص: 39) ، وقال ابن كثير في (( تحفة الطالب ) ) (ص: 232) : إسناده جيد. وحسنه ابن حجر في (( التلخيص الحبير ) ) (1/ 281) . وقال الشوكاني في (( فتح القدير ) ) (1/ 461) : لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره. وقال الألباني في (( صحيح سنن ابن ماجه ) ): صحيح.
(2) (( جامع العلوم والحكم ) ) (ص: 352 - 354) .
(3) الحديث رواه البخاري (3481) ، ومسلم (2756) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) (( الاستقامة ) ) (1/ 164،165) ،وانظر (3/ 231،12/ 490) ، وغيرها.