فهرس الكتاب
الصفحة 1865 من 4009

ولعل في قوله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم: 85] . شاهد للطائفة الثانية وهم الركبان, لأن الوفد لا يكون إلا راكباً كما روي عن علي رضي الله عنه [1] وقد نقل المفسرون عن أئمة التفسير أن الحشر المذكور في هذه الآية إنما يكون عند المنصرف من بين يدي الله في طريقهم إلى الجنة [2] , فهم لا يركبون إلا من الموقف, أما إذا خرجوا من القبور فحفاة عراة مشاة إلى المواقف كما يقول القرطبي [3] .

ومن الأحوال الفاضلة في الحشر، حال الشهيد فقد قال صلى الله عليه وسلم: (( لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب اللون لون دم, والريح ريح مسك ) ) [4] .

ومن الأحوال الفاضلة في المحشر، حال الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله, ومنهم السبعة الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه ) ) [5] .

وقال صلى الله عليه وسلم: (( تدني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار الميل. قال الراوي: فلا أدري ما يعني بالميل؟ أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين؟ قال صلى الله عليه وسلم: (( فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق. فمنهم من يكون إلى كعبيه. ومنهم من يكون إلى ركبتيه. ومنهم من يكون إلى حقويه. ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً ) )وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه )) [6] .

فهذا دليل على تفاضل الخلق في وقوفهم بالمحشر قبل فصل القضاء.

ومن الأحوال المفضولة في الحشر، حال المتكبرين كما في الحديث: (( يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال, يغشاهم الذل من كل مكان ) ) [7] .

وأفضل أمم المؤمنين في المحشر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد اختصها الله عز وجل فيه بما تمتاز به عن غيرها، ومن هذه الخصائص:

-اختصاصها بأنها أكثر أتباع الأنبياء عدداً، كما في حديث صحيح مسلم الذي تقدم ذكره: (( أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ) ).

-وتميزها بعلامة تعرف بها وهي أنهم يأتون غراً محجلين من آثار الوضوء كما في الحديث: (( إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ) ) [8] .

وقال صلى الله عليه وسلم: (( لكم سيما ليست لأحد غيركم, تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء ) ) [9] .

وأفضل أحوال أهل المحشر وأكملهم حال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ولا ريب، وأفضل أحوال الأنبياء حال آدم وأولي العزم من الرسل الخمسة: نوح, وإبراهيم, وموسى, وعيسى, ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم كما دل عليه صراحة حديث الشفاعة المخرج في الصحيحين [10] وقد سبق ذكره. فأهل المحشر يقصدونهم خاصة من بين سائر الأنبياء والمرسلين لكي يشفعوا عند الله لإراحتهم من هول الموقف، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل أهل المحشر, وحاله أفضل أحوالهم, فهو صاحب الشفاعة العظمى التي يتدافعها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي - ص393

(1) (( المسند ) ) (2/ 377) و (( تفسير القرطبي ) ) (11/ 152) و (( الدر المنثور ) ) (5/ 285) .

(2) (( تفسير البغوي ) ) (3/ 209) و (( تفسير ابن كثير ) ) (3/ 138) و (( تفسير القرطبي ) ) (11/ 152) و (( الدر المنثور ) ) (4/ 284) .

(3) (( التفسير ) ) (11/ 153) .

(4) رواه البخاري (5533) ، ومسلم (1876) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5) رواه البخاري (660) ، مسلم (1031) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6) رواه مسلم (2864) . من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه.

(7) رواه الترمذي (2492) ، وأحمد (2/ 179) (6677) . قال الترمذي: حسن صحيح، وحسنه البغوي في (( شرح السنة ) ) (6/ 537) ، وابن حجر في (( تخريج مشكاة المصابيح ) ) (4/ 474) كما قال ذلك في المقدمة.

(8) رواه البخاري (136) ، ومسلم (249) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(9) رواه مسلم (247) .

(10) رواه البخاري (4712) ، ومسلم (194) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام