وعن السدي قال: ( ... فذلك حين يقول الله: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا يعني في التسمية) [1] . وأيضاً يدل عليه قراءة من قرأ: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء بمعنى الشركة يعني بالاسم [2] ، وحتى يتفادى أصحاب هذا القول الاعتراض عليهم بأن قوله تعالى: فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يفيد أن الذين أتوا بالشرك جماعة؛ إذ لو كان آدم وحواء لقال: فتعالى الله عما يشركان. فقد ذهبوا إلى أن في الآيتين قصتين: قصة آدم وحواء، والخبر قد انقضى عند قوله: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا.
وقصة مشركي العرب، والخبر عنها في قوله: فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، والمعنى فتعالى الله عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان [3] ، واستأنسوا في ذلك بما روي من آثار، منها: ما روي عن السدي في قوله تعالى: فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، يقول: هذه فصل من آية آدم خاصة في آلهة العرب [4] .
ويروى عنه أيضاً أنه قال: (هذا من الموصول والمفصول، قوله: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا في شأن آدم وحواء، ثم قال الله تبارك وتعالى: فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ قال: عما يشرك المشركون، ولم يعنهما) [5] . وقد رواه ابن أبي حاتم أيضاً في تفسيره [6] .
وأجابوا عما يقال: إن آدم وحواء إنما سميا ابنهما عبد الحارث والحارث واحد، وقوله شُرَكَاء جماعة، فكيف وصفهما جل ثناؤه بأنهما جعلا له شركاء، وإنما أشركا واحداً؟ قالوا في الجواب عن هذا السؤال: إن العرب تخرج الخبر الواحد مخرج الخبر عن الجماعة إذا لم تقصد واحداً بعينه ولم تسمه، كقوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ [آل عمران:173] وإنما كان القائل واحداً، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن الجماعة؛ إذ لم يقصد قصده، وذلك مستفيض في كلام العرب وأشعارها [7] .
وممن استحسن هذا القول ودافع عنه، ورأى صحة الحديث الألوسي الذي قال: (لا يعد هذا شركاً في الحقيقة؛ لأن أسماء الأعلام لا تفيد مفهوماتها اللغوية، لكن أطلق عليها الشرك تغليظاً) [8] .
كما يفهم من سياق كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أنه يرجح هذا التفسير؛ حيث أتى به في تفسير قوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، مستدلاً به على منع التعبيد لغير الله [9] .
(1) ابن جرير الطبري: (( جامع البيان ) ) (6/ 9/99) .
(2) ابن جرير الطبري: (( جامع البيان ) ) (6/ 9/101) .
(3) ابن جرير الطبري: (( جامع البيان ) ) (6/ 9/101) .
(4) ابن جرير الطبري: (( جامع البيان ) ) (6/ 9/101) .
(5) ابن جرير الطبري: (( جامع البيان ) ) (6/ 9/102) .
(6) عزاه السيوطي في (( الدر المنثور ) ) (3/ 152) إلى ابن أبي حاتم.
(7) انظر ما ذكره (( الطبري في تفسيره ) ) (6/ 9/101) .
(8) الآلوسي: (( روح المعاني ) ) (3/ 185) .
(9) انظر ما كتبه الشيخ في كتاب (( التوحيد له مع فتح المجيد ) ) (2/ 614) .