شبهتهم في مبدأ خلق الإنسان في القرآن (تابع)
فهذا بدء خلق آدم، خلقه الله أول بدء من تراب، ثم من طينة حمراء، وسوداء وبيضاء، من طينة طيبة وسبخة، فكذلك ذريته طيب وخبيث، أسود وأحمر، وأبيض، ثم بُلَّ ذلك فصار طينًا، فذلك قوله: مِنْ طِينٍ فلما لصق الطين بعضه ببعض، فصار طينًا لازبًا يعني طينًا لاصقًا، ثم قال: مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ يقول: مثل الطين إذا عصر انسل من بين الأصابع، ثم نتن فصار حمإٍ مسنونًا فخلق من الحمإ، فلما جف صار صلصالا كالفخار، يقول: صار له صلصلة كصلصلة الفخار له دوي كدوي الفخار. فهذا بيان خلق آدم
فأما قوله: مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فهذا بدء خلق ذريته من سلالة يعني نطفة إذا انسلت من الرجل فذلك قوله: مِنْ مَاءٍ يعني: النطفة."مهين"يعني ضعيف، فهذا ما شكت فيه الزنادقة
إذًا الإمام -رحمه الله- بيَّن أن آيات القرآن يصدق بعضها بعضًا، خلقه الله من تراب، هذا بدء الخلق، بدء خلق آدم من تراب، ثم بلَّ ذلك التراب فصار طينًا، نفس التراب الله أخذ التراب، ثم بلَّه فصار طينًا، وهذه الطينة حمراء وسوداء وبيضاء فجاءت الذرية هكذا: طيب وخبيث، وأسود وأحمر، وأبيض.
ثم بعد ذلك لما بلَّ ذلك الطين لصق بعضه ببعض، فصار طينًا لازبًا يعني: لاصقًا، ثم صار سلالة مثل الطين إذا عصر انسلَّ من بين الأصابع، ثم نتن يعني صار له رائحة كريهة، فصار حمأ مسنونًا، فخلق من الحمإ فلما جفَّ هذا الطين صار صلصالًا كالفخار له صلصلة كصلصة الفخار له دوي كدوي الفخار.
هذا خلق آدم، وأما الذرية فهم مخلوقون من سلالة من ماء مهين، كل واحد من بني آدم مخلوق من ماء الرجل وماء المرأة، كما قال تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ماء الرجل وماء المرأة يكون نطفة في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يتحول أربعين يومًا علقة"قطعة دم"، ثم يتحول بعد أربعين يومًا إلى مضغة"قطعة لحم"، سميت مضغة بقدر ما يمضغ في الفم، ثم خلق من المضغة عظامًا، ثم كسا العظام لحمًا.
ثم أرسل الله -سبحانه- ملك بعد مضي أربعة أشهر في بعض الأحاديث، وبعضها قبل ذلك فنفخ فيه الروح، وكتب الله رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد.
فإذًا آدم مخلوق من تراب ثم بلَّ الله ذلك التراب فصار طينًا، ثم بعد ذلك صار لازبًا لاصقًا، ثم نتن، ثم يبس فصار له صلصلة، هذا خلق آدم، أما الذرية فهم مخلوقون من الماء، نطفة ماء الرجل، وماء المرأة، قال تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ صلب الرجل، وترائب المرأة.
كل بني آدم من هذا إلا حواء فإنها مخلوقة من ضلع آدم، وإلا عيسى فإنه مخلوق من أم بلا أب، أرسل الله جبريل فنفخ في جيب درع مريم فحملت بإذن الله. قال الله له: كن فكان: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
فتكون القسمة الرباعية قسمة آدم وبنيه. آدم خلقه الله من تراب غير ذكر ولا أنثى، وحواء خلقت من ذكر بلا أنثى؛ لأنها خلقت من ضلع، وعيسى خلق من أنثى بلا ذكر، وسائر الناس من ذكر وأنثى، فصارت القسمة رباعية، ولله الحكمة البالغة.
وعلى هذا تكون الخلاصة خلق آدم من تراب، والذرية مخلوقون من ماء، فتكون آيات القرآن متفقة ومؤتلفة، وليست متناقضة كما يشكك في ذلك الزنادقة