ووجد ثلاث آيات في القرآن من المتشابهة قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وقوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ وقوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ فبنى أصل كلامه على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه، أو حدث عنه رسوله كان كافرًا، وكان من المشبهة فأضل بكلامه بشرًا كثيرًا، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية
إذًا الجهم وجد ثلاث آيات من القرآن من المتشابه، وبنى أصل كلامه على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله الآية الأولى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أخذ بعض الآية، وترك بعضها وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ تركها لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ قال: إن الله لا يماثله شيء من الأشياء، وسيأتي أن معنى هذه الكلمة من الآية: إن الله لا يماثله شيء من الأشياء، إنكار وجود الله.
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ قال: إن الله لا يماثله شيء من الأشياء، والآية الثانية قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ قال بالحلول يعني: أنه في السماء وفي الأرض وفي كل مكان، والآية الثالثة لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ يعني أنه لا يُرى.
إذًا هو في كل مكان، ولا يُرى و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لا يرى: يريد أن يسد الباب حتى لا يحاول أحد أو يطلب أو يسأل أحد رؤية الله، والثانية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ هذا أثبت به الحلول.
والثالثة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أثبت بها أنه معدوم، كما سيأتي فبنى أصل كلامه على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله.
سيأتي الآن تفسير أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ولا يشبهه شيء من الأشياء، سيأتي في كلام الإمام -رحمه الله- فبنى أصل كلامه على هذه التأويلات تأول القرآن على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف الله به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافرًا، وكان من المشبهة فأضل بكلامه بشرًا كثيرًا، فتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية
أما قوله:"فتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة"ليس المراد بأصحاب أبي حنيفة يعني أصحاب الإمام وتلاميذه، ليس المراد هذا، وإنما المراد من أتباع مذهب أبي حنيفة الحنفية جماعة من الحنفية وأما تلاميذ الإمام محمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف فهؤلاء من العلماء، ومن كبار العلماء، لا يقولون بهذا، وكذلك الإمام.
لكن بعض الحنفية بعض أتباع الحنفية بعضهم أشاعرة، بعضهم جهمية، وبعضهم معتزلة، وكذلك بعض أتباع الشافعية وبعض أتباع المالكية بعض أتباع الحنابلة يوجد في الحنابلة من هو أشعري ومعتزلي، ويوجد في الشافعية المراد ليس المراد من التلاميذ، وإنما المراد من أتباع المذهب، يكون المذهب حنفيا، هذا مذهب حنفي في الفروع، ولكن في العقيدة أشعري، أكثر الأحناف الحنفية أشاعرة، يكون مثلا في المذهب شافعيا في الفقه مثل الرازي شافعي لكنه جهمي في العقيدة والصفات، كذلك قد يكون حنبليا في المذهب لكن في المعتقد يكون يتمشى مع مذهب الأشاعرة وهكذا.
فالمراد من أتباع المذهب ليس المراد التلاميذ،"فتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة"عمرو بن عبيد هذا هو، هو وواصل بن عطاء هما اللذان أسسا مذهب الاعتزال، وكانا من تلاميذ الحسن البصري -رحمه الله- فافترقا عنه وخالفاه.
ويقال: إن سبب ذك أن رجلا جاء وسأل الحسن البصري عن العاصي، فانبرى له واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وقال: أنا لا أقول: مؤمن ولا كافر، ثم جلسا إلى سارية، وجعل يقرر هذه المذاهب، واعتزل مجلس الحسن البصري صار الناس يقولون: هؤلاء المعتزلة فسموا معتزلة من ذلك الوقت، فعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء هما اللذان أسسا مذهب الاعتزال؛ ولهذا: تبع الجهم على قوله بعض الحنفية وأصحاب عمرو بن عبيد ووضعوا دين الجهمية على إنكار صفات الله، إنكار الأسماء والصفات، بل إنكار وجود الله؛ لأن الشيء الذي ليس له اسم ولا صفة؛ لأن كل موجود لا بد له أن يكون صفة الجماد؛ لأن هذه"الماسة"لها طول ولها عرض، فإذا قلت هناك"ماسة"ليس لها طول ولا عرض ولا عمق، وليست في السماء، ولا في الأرض ماذا تكون؟ معدوم.
هؤلاء الجهمية هكذا ينفون عن الله جميع الأسماء والصفات، حتى الغلاة نفوا الوجود -والعياذ بالله-؛ ولهذا كفر الجهمية كثير من العلماء كما ذكر ابن القيم كفرهم خمسمائة عالم.
وقال الإمام عبد الله بن المبارك إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى ولا نحكي أقوال الجهمية ما نستطيع أن نحكي أقوال الجهمية من شدة شناعتها وبشاعتها، لا نحكي أقوال الجهمية وإن كنا نحكي أقوال اليهود يعني أشد من أقوال اليهود نسأل الله العافية.
إذًا معتقد الجهمية مبني على إنكار الأسماء والصفات، يعني يلزم منه إنكار وجود الله.