فهرس الكتاب
الصفحة 52 من 180

الرد على شبهتهم في ولاية المؤمنين بعضهم لبعض ونفيها

الجواب: أما قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا يعني: من الميراث، وذلك أن الله حكم على المؤمنين لما هاجروا إلى المدينة ألا يتوارثوا إلا بالهجرة، إن مات رجل مهاجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وله أولياء بمكة لم يهاجروا، فكانوا لا يتوارثون.

وكذلك إن مات رجل بمكة وله ولي مهاجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرثه المهاجر، فذلك قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْمِيرَاثِ حَتَّى يُهَاجِرُوا فلما كثر المهاجرون رد ذلك الميراث إلى الأولياء، هاجروا أو لم يهاجروا، وذلك قوله: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ .

وأما قوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يعني في الدين، فالمؤمن يتولى المؤمن في دينه، فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة

الجمع بينهما واضح: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يعني في الدين، فالمؤمن يتولى أخاه في الدين، فينصره ويواليه، ويحبه هذه في الدين.

وأما آية الأنفال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ فالولاية في الميراث المراد بها الميراث، فكل محمول على حال.

فآية التوبة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يعني في الدين والمحبة والنصرة، وآية: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ المراد بها الميراث، فالأولياء الأقرباء، والولي: القريب وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: من ميراثهم حَتَّى يُهَاجِرُوا يعني من الميراث، وذلك أن الله حكم على المؤمنين لما هاجروا إلى المدينة ألا يتوارثوا إلا بالهجرة، فإن مات رجل مهاجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وله أولياء بمكة لم يهاجروا فكانوا لا يتوارثون وكذلك إن مات رجل بمكة وله ولي مهاجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرثه المهاجر.

يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- عقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار لما هاجروا في أول الأمر، فكل واحد من المهاجرين له أخ من الأنصار يرثه إذا مات، كل واحد يرث الآخر، فالمهاجري إذا مات يرثه الأنصاري، والأنصاري كذلك، ولا يرثه أقاربه الذين في مكة إذا لم يهاجروا ما يرثونه، وكذلك إذا مات مؤمن في مكة ولم يهاجر ما يرثه أقاربه المهاجرون يرثه أقاربه الذين في مكة

وهذا في أول الأمر فلما كثر المهاجرون والمؤمنون نسخ الله ذلك، وجعل التوارث بالقرابة، انتهى التوارث، أنزل الله -تعالى- لما كثر رد ذلك الميراث، هاجروا أو لم يهاجروا، لما كثر المهاجرون نسخ الله ذلك، وجعل الميراث بالقرابة، فإذا مات الإنسان يرثه أقاربه، سواء في مكة أو في المدينة هاجر أو لم يهاجر.

وأنزل الله قوله: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَأُولُو الْأَرْحَامِ يعني الأقارب أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ سواء هاجر أو لم يهاجر. وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يعني في الدين والمحبة، و: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ في القرابة في الإرث خاصة في أول الأمر، ثم نسخ الله ذلك فرد الميراث إلى القرابة، في قوله: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ هذا قول في الجمع بين الآيتين.

هناك قول آخر اختاره ابن كثير -رحمه الله- واستدل له بحديث أخرجه الإمام أحمد قال: معنى قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: لا نصيب لكم في المغانم، ولا في خمسها إلا فيما حضرتم فيه القتال، ولا مانع من تناول الآية للأمرين جميعًا، الآية تشمل الأمرين بعمومها، تشمل الأمرين، فيكون المراد بها نفي الميراث، ونفي القسم لهم من الغنائم والخمس.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام