فلقيه أناس من الكفار يقال لهم: السمنية فعرفوا الجهم فقالوا له: نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك، فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له: ألست تزعم أن لك إلهًا؟ فقال الجهمي: نعم. فقالوا له: فهل رأيت عين إلهك؟ قال: لا. قالوا: هل سمعت كلامه؟ قال: لا. قالوا: أشممت له رائحة؟ قال: لا. قالوا: أفوجدت له مجسا؟ قال: لا. قالوا: أفوجدت له حسا؟ قال: لا. قالوا: فما يدريك أنه إله؟ قال: فتحير الجهم فلم يدر ما يعبد أربعين يوما.
الجهم يقول الإمام: أنه لقي أناسا من الكفار، يقال لهم: السُّمنية السمنية طائفة كفار من الهند لا يؤمنون إلا بالحسيات، لا يؤمنون إلا بما يدرك بالمحسوسات الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس، هذه الحواس الخمس، والذي يدرك بالحواس الخمس هذا يثبتونه، والذي لا يدرك بالحواس الخمس ينفونه.
الشيء الذي تراه بعينك أو تسمعه بإذنك أو تشمه بأنفك، أو تذوقه بلسانك، أو تلمسه بيدك"تجسه"هذا تثبته، وما عدا ذلك فليس له وجود، ما يؤمنون إلا بما يُدرَك بإحدى الحواس الخمس، هؤلاء السُّمنية.
فعرفوا الجهم فقالوا:"نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك"يعني قالوا للجهم نحن نكلمك، وتكلمنا هاتِ حجتك، ونأتي بحجتنا، ندلي بحجتنا، فإن كانت حجتنا أقوى أدخل في ديننا، وأنت ائت بحجتك، فإن كانت حجتك أقوى دخلنا في دينك.
فقالوا له: ألست تزعم أن لك آلهًا وربًا، قال: نعم. قالوا: إلهك هذا الذي تزعم هل رأيت إلهك بعينك؟ قال: لا. قالوا: هل سمعت كلامه بأذنك؟ قال: لا.
هذه الحواس الخمس، قالوا: أشممت له رائحة؟ قال: لا: قالوا له: هل وجدت له مجسًا؟ مجسًا يعني: الجس باليد، في الصحاح جسه بيده، واجتسه أي: مسه، والمجسة الموضع الذي يجسه الطبيب.
يعني هل وجدت له مجسًا بيدك؟ قال: لا. قالوا: فوجدت له حسًا؟ الحس والحسيس يطلق على الصوت الخفي.
وأصل الإحساس الإبصار ومنه قوله تعالى: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ ثم استعمل في الوجدان والعلم، في أي حاسة كانت أفوجدت له حسا؟ يعني هل وجدت له وجدانًا؟ وعلمت وجوده بأي حاسة كانت من الحواس الخمس؟ قال: لا. قالوا: فما يدريك أنه إله؟ إذًا معدوم، ما عندك إله؛ لأنك لا تدركه بحاسة من الحواس الخمس، لم تره بعينك، ولم تسمعه بأذنك، ولم تشمه بأنفك، ولم تجد له مجسًا بيدك، ولم تجد له حسًا، ولم تجد له وجدانًا بأي حاسة من الحواس، إذًا معدوم، قالوا: فما يدريك أنه إله. قال: فتحير الجهم فلم يدرِ من يعبد أربعين يوما، ترك الصلاة لفظها ترك الصلاة أربعين يومًا، تحير ما يدري حيروه أهل السمنية فتحير، فلم يدر من يعبد، فترك الصلاة أربعين يومًا. نسأل الله السلامة والعافية. ثم بعد ذلك استدرك.