وحديث الزهري قال:"لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب، هذا الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي، وإنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمُت. قال: فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له: صف لنا كلام ربك. قال: سبحان الله! وهل أستطيع أن أصفه لكم؟ قالوا: فشبهه. قال: فهل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها؟ فكأنه مثله".
هذا الأثر عن الزهري رواية الزهري هذه أخرجها الدارمي في الرد على الجهمية وابن بطة في كتاب"الإبانة"، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب"السنة"، والبيهقي في"الأسماء والصفات"، ومن المفسرين ابن أبي حاتم وابن جرير وابن كثير هذه الرواية، لكنها موقوفة على كعب الأحبار
وكعب الأحبار هذا يأخذ عن بني إسرائيل الغث والسمين، وفي سنده مجهول، وهو جزء بن جابر الخثعمي فيكون ضعيفا؛ لأن في سنده مجهول ولو كان السند صحيحا وليس فيه مجهول، لكان ضعيفا من جهة أن كعب الأحبار - يأخذ عن بني إسرائيل ؛ لأنه كان تابعيا أسلم في عهد عمر بن الخطاب وهو من أهل الكتاب
ورُوي -أيضا- من طريقٍ أخرى، من طريق جابر بن عبد الله وفي سنده فضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر وأخرجه ابن أبي حاتم وابن كثير وهو موقوف على جابر وفي سنده فضل بن عيسى الرقاشي وهو ضعيف بالمرة، منكر الحديث، متكلم فيه.
ولو فرضنا أن هذا السند موقوف على جابر وليس فيه الفضل بن عيسى لكان ضعيفا أيضا؛ لأنه ممن أخذ عن بني إسرائيل
فتكون رواية الزهري عن كعب الأحبار أو الطريق الأخرى، طريق جابر لو كان سندها مثل الشمس متصلا، لكان ضعيفا، لأنهما من أخبار بني إسرائيل وأخبار بني إسرائيل لا تُصَدَّق ولا تُكَذَّب.
كيف ورواية الزهري فيه جزء بن جابر الخثعمي وهو ضعيف؟ ورواية جابر في سندها الفضل بن عيسى وهو ضعيف بالمرة؟
فيكون هذان موقوفين، وهما من أخبار بني إسرائيل وكلام الله وصفاته لا تشبه صفات المخلوقين، ولا يعلم كيفيته إلا هو. هذا الأثر لا يعول عليه؛ لضعفه وكونه من أخبار بني إسرائيل لضعفه الشديد المتناهي.
ثم -أيضا- ليس من كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل من كلام كعب الأحبار وهو مممن أخذ عن بني إسرائيل أو من كلام جابر إن صح السند وهو لم يصح؛ لأن رواية جابر في سندها الفضل بن عيسى الرقاشي وهو متكلم عليه ضعيف بالمرة، وهناك من قال: إنه خبيث، وإنه يروي المنكرات.
وكذلك الطريق الأخرى عن كعب الأحبار في سنده جزء بن جابر الخثعمي فلا يُعَوَّل على هذا الأثر.
وفيه تشبيه لكلام الله، وصفات الله لا تشبه صفات المخلوقين، ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو.
يبقى الإشكال: لماذا ذكره الإمام أحمد -رحمه الله- إمام أهل السنة ؟ لماذا ذكره هنا، وهو أثر ضعيف عن بني إسرائيل ولا يعول عليه؟
نقول: كما يذكر حديث ضعيف في المسند، إذا ذكر السند خلاص، وأنت حقق.
يعني: العلماء قسمان:
قسم من العلماء لا يذكر إلا الأحاديث الصحيحة، مثل البخاري ومسلم
وقسم من العلماء يذكر في الحديث الصحيح والضعيف، مثل السنن الأربع، فيها الضعيف، وفيها الصحيح، وفيها الحسن، سنن أبي داود جامع الترمذي سنن ابن ماجه سنن النسائي مسند الإمام أحمد فيها الضعيف، وفيها الحسن، والعلماء يؤلفون ويذكرون السند، وإذا ذكروا السند خرجوا من العهدة والمسئولية.
هذا السند أمامك الآن، تعرف هل هو صحيح أو ضعيف؛ وإنما يذكرونه لأنهم يذكرون ما ورد في هذا الباب، ما ورد في هذا الباب، سواء ضعيفة أو غير ضعيفة، تعلم أن هذا الذي ورد في هذا الباب هذا الحديث الضعيف.
إذن، هذا لا يُعَوّل عليه، ولو لم يذكره -رحمه الله- لكان أولى؛ لأن هذا لا يعول عليه، أثر باطل، والنصوص -الآيات القرآنية والأحاديث النبوية- كافية في إثبات كلام الله -عز وجل-، فيها الغنية وفيها الكفاية: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي .
والنصوص كثيرة من الكتاب والسنة، فلا حاجة لهذا الأثر الضعيف الباطل.