وذكر أن تفاسير المعتزلة مملوءة بتأويل النصوص المثبتة للصفات والقدر على غير ما أراده الله ورسوله، ثم قال: فإنكار الأئمة والسلف لهذه التأويلات الفاسدة، كما قاله الإمام أحمد بن حنبل فيما كتبه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكَّت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله.
فهذا الذي أنكرته الأئمة والسلف من التأويل كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، وقال: وهذا أحمد بن حنبل إمام أهل السنة الصابر في المحنة الذي صار لأهل السنة معيارًا يفرقون به بين أهل السنة والبدعة، لما صنف كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكّت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله، تكلم في معاني المتشابه الذي اتبعه الزائغون ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ آية آية، وبينوا معناها، وفسرها ليبين فساد تأويل الزائغين، واحتج على أنه يرى أن القرآن غير مخلوق، وأن الله فوق العرش بالحجج العقلية والسمعية، ورد ما احتج به النفاة من الحجج العقلية والسمعية، وبيّن معاني الآيات التي سماها المتشابه، وفسرها آية آية.
وذكر: أن التشابه يراد به: ما هو صفة لازمة للآية، ويراد ما هو من الأمور النسبية، فقد يكون متشابهًا عند هذا ما لا يكون متشابهًا عند هذا.
وقال: وكلام الإمام أحمد بن حنبل وغيره من السلف يحتمل أن يراد هذا، فإن أحمد ذكر في رده على الجهمية أنها احتجت بثلاث آيات من المتشابه قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وقوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وقد فسر أحمد قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ .
فإذا كانت هذه الآيات مما علمنا معناها لم تكن متشابهة عندنا، وهي متشابهة عند من احتج بها، وكان عليه أن يردها إلى ما يعرفه من المحكم، وكذلك قال أحمد في ترجمة كتابه الذي صنفه في الحبس وهو"الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله".
إذًا على هذا يكون الإمام أحمد صنف هذه وهو في الحبس.