ثالثًا: احتجاج أهل العلم به على أنه للإمام أحمد بن حنبل فقد احتج به الإمام أبو يعلى في كتابه"إبطال التأويل"بما نقله فيه عن أحمد
وذكر ابن عقيل في كتابه بعض ما فيه عن أحمد ونقله عن أصحابه قديمًا وحديثًا، ونقل منه البيهقي وعزاه إلى أحمد وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحمد ولم يُسمع عن متقدمي أصحابه ولا متأخريهم طعنٌ فيه.
هذا خلاصة ما دافع به الإمام ابن القيم عن نسبة كتاب"الرد على الزنادقة والجهمية"إلى إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-، وقد راجعنا مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية فوجدنا فيها من التصريح بأنه للإمام أحمد من ناحية، ومن الاعتماد عليه من ناحية أخرى ما نوضح منه للقراء ما يلي:
أولا: قال في تفسير سورة الإخلاص في الطبعة المنيرية: بعد ذكر كثير من السلف -أنهم يعلمون معنى المتشابه- قال: وقول أحمد فيما كتبه من الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن، وتأولته على غير تأويله. وقوله عن الجهمية أنها تأولت ثلاث آيات من المتشابه، ثم تكلم على معناها، دليل على أن المتشابه عنده تعرف العلماء معناه، وأن المذموم تأويله على غير تأويله، فأما تفسيره بمطابق لمعناه فهذا محمود وليس بمذموم، وهذا يقتضي أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل الصحيح للمتشابه عنده، وهو التفسير في لغة السلف؛ ولهذا لم يقل أحمد ولا غيره من السلف: إن في القرآن آيات لا يعرف الرسول ولا غيره معناها، بل يتلون لفظًا لا يعرفون معناه.
أشار بهذا الرد على طائفة المجهلة الذين يجهلون الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويقولون: إن الرسول لا يعرف معاني القرآن، وكذلك جبريل هؤلاء يسمون مجهلة.
وهناك طائفة من المؤولة ملاحدة -نسأل الله السلامة والعافية- وهذا من أبطل الباطل، فالرسول يعرف معناه، وكذلك جبريل وإنما المجهول كيفية الصفات فالكيفية لا يعلمها إلا الله، كما قال الإمام مالك الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب.
أما معاني القرآن فمعروفة، ما فيها إشكال، لكن الكيفيات كيفيات الأمور الغيبية، وكيفيات الصفات، لا يعلم كيفيات صفات الله إلا هو وكيفية ذاته -سبحانه- وحقائق الجنة وحقائق النار وما يكون فيها من الحقائق على ما هي عليه، لا يعرف حقيقتها إلا الله -سبحانه وتعالى-.