الجواب: قال: وأما قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ عنى بها المنافقين الذين هم عن صلاتهم ساهون، حتى يذهب الوقت، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ يقولون إذا رأوهم صلوا، وإذا لم يروهم لم يصلوا. وأما قوله: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يعني من الموحدين المؤمنين فهذا ما شكت فيه الزنادقة
إذًا أجاب الإمام -رحمه الله- بأن كل آية محمولة على حال، فالآية التي فيها ويل للمصلين المراد بهم المنافقون، بدليل قوله: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ فهم يصلون نفاقًا لا عن إيمان بالله ورسوله، بل عن رياء مراءاة: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ يقول: إذا رأوهم صلوا، وإذا لم يروهم لم يصلوا.
ويدل على هذا ما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما -يعني من الأجر- لأتوهما ولو حبوًا .
لأن المنافقين لا يصلون عن إيمان بالله وبرسوله، فكانوا يصلون الظهر والعصر والمغرب أمام الناس يراءونهم؛ لأن الظهر والعصر والمغرب في وقت النهار، كلٌّ يراهم، فهم يصلون رياءً، لكن في وقت العشاء وفي وقت الفجر ظلام، ما عندهم أنوار، ما عندهم كهرباء مثل الآن، ما فيه كهرباء ولا سرج لا في الشوارع، ولا في المساجد، فيكون المسجد مظلما، والشوارع مظلمة في وقت العشاء والفجر يتخلفون؛ لأنهم يظنون أنهم يخفون على الناس، فلا يرونهم، فيتخلفون، فلذلك كانت هاتان الصلاتان ثقيلتين عليهم؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: صلاة العشاء وصلاة الفجر فلا يليق بالمسلم الذي منَّ الله عليه بالإيمان أن يتشبه بالمنافقين، وأن يتخلف عن صلاة الصبح وصلاة العشاء.
فصلاة العشاء تقع في وقت الراحة والانشغال، وصلاة الفجر تقع في وقت الراحة والنوم، فالواجب على المسلم أن يكبح جماح نفسه، وأن يجاهد نفسه، وأن يفعل الأسباب التي توقظه، أو ينام مبكرًا لا يسهر، ولا سيما إذا كان السهر على القيل والقال والغيبة والنميمة، أو مشاهدة الأفلام الخليعة، أو سماع الأصوات السيئة، ولا سيما الجلوس عند هذا الجهاز الخبيث جهاز الدش الذي ينشر عقائد النصارى والخلاعة والمجون والتفسخ والعري، ويزهد في الأخلاق الإسلامية، ويدعو إلى التشكيك في دين الله -عز وجل- كيف يليق بمسلم أن يفعل هذا؟
يسهر على هذا الجهاز الخبيث، ثم يتخلف عن صلاة الصبح، ولا يصلي إلا بعد الفجر، بعض الناس ديدنه وعادته.
هذا من المصائب حتى قال جمع من أهل العلم: إن الشخص الذي لا يصلي الفجر إلا بعد الشمس باستمرار فهو مرتد كافر، ولا تفيده الصلاة، ولو صلاها ألف مرة؛ لأن الله حدد الصلاة بأوقات: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا .
وأفتى بذلك سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- بأن الذي لا يستيقظ إلا بعد الشمس باستمرار أنه مرتد، يكون كافرا، ولا تصح صلاته؛ لأنه متعمد بخلاف الإنسان الذي فعل أسبابا توقظه وفاتته، فوات الحرص هذا معذور، {النائم حتى يستيقظ } ، الإنسان الذي جعل أسبابًا توقظه، وعنده إحساس وشعور، لكن فاتته بغير اختياره، هذا معذور، لكن الشخص الذي يركب الساعة على العمل، لا يستيقظ إلا مرة واحدة لصلاته وعمله، هذا معناه أنه متعمد ترك الصلاة.
فالواجب على المسلم أن تشتد عنايته بالصلوات الخمس عمومًا، وهاتين الصلاتين خصوصًا حتى لا يتشبه بالمنافقين، قال العلماء: لو أن الإنسان جلس يقرأ القرآن، أو يصلي الليل، وهو يعلم أن صلاته في الليل وقراءته للقرآن يكون سببًا لنومه عن الصلاة وتأخيره عنها صار حرامًا عليه قراءة القرآن وصلاة الليل لماذا؟ لأن قراءة القرآن وصلاة الليل مستحب سنة، وصلاة الفجر فرض، فكيف يشتغل بالسنة عن الفرض.
فإذا كان الذي يقرأ القرآن، ويصلي في الليل، إذا كان يتسبب في ترك صلاة الفجر حرام عليه، فكيف الذي يسهر على مشاهدة الأفلام الخليعة على هذا الجهاز الخبيث، أو القيل والقال، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبلها والحديث بعد صلاة العشاء، مكروه الجلوس بعد صلاة العشاء إلا ما لا بد منه السمر في طلب العلم، أو السمر مع الضيف، والسمر مع الأهل، الشيء العارض.
فإذًا الإمام -رحمه الله- يقول: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ محمولة على المنافقين فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ساهون عن الصلاة، فيتركونها بالكلية، هذا سهو، أو يسهون عن الصلاة فيؤخرونها عن وقتها، أو يسهون عن الصلاة فيؤخرونها عن وقتها الأول، أو يسهون عن أركانها وواجباتها، أو يسهون عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، كل هذا داخل في السهو،، فكلٌ له نصيب من هذا السهو، ومن جمع هذه الأنواع، فقد تمت له الخسارة، نسأل الله العافية.
فهي تشمل المنافقين النفاق العملي والنفاق الاعتقادي: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ حتى يتركوها بالكلية، أو يؤخروها عن الوقت بالكلية، أو حتى يؤخروها عن الوقت الأول، لا يصلونها إلا في آخر الوقت باستمرار، أو يسهوا عن أداء واجباتها وشروطها، أو يسهوا عن خشوعها وتدبر معانيها.
ويدل على هذا الحديث الصحيح الذي في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كادت أن تغرب بين قرني الشيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا .
إذًا وصف المنافق يؤخر الصلاة يرقب الشمس حتى إذا كانت تغرب، يؤخرها عن وقتها، ووصفه بأنه ينقر الصلاة كنقر الغراب، ووصفه بأنه لا يذكر الله فيها إلا قليلًا.
هذه ثلاثة أوصاف للمنافقين: يؤخرها عن وقتها، وينقرها نقر الغراب، يعني: لا يطمئن في ركوعها وسجودها، ولا يذكر الله فيها إلا قليلًا.
إذًا فهذه الآية: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ محمولة على مَن يصلي، لكن إما رياءً ونفاقًا، أو يصلي ويسهو ويؤخر الصلاة عن وقتها بالكلية، أو عن وقتها الأول المختار، أو عن أداء شروطها وواجباتها، أو عن خشوعها والتدبر لمعانيها.
أما الآية الثالثة: وهي آية المدثر: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يعني: يقول هذه الآية في الموحدين، كيف تكون هذه الآية في الموحدين المؤمنين؟ يعني: التارك للصلاة، كانوا مؤمنين موحدين، فلما تركوا الصلاة ارتدوا يعني: هي ليست في المنافقين، تلك الأولى في المنافقين، وهذه في المؤمنين قبل أن يتركوا الصلاة، كانوا مؤمنين، فلما تركوها دخلوا النار، فسألوهم: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يعني: تركنا الصلاة، هذا هو الظاهر مما ذكره الإمام رحمه الله.
وهذه الآية من الأدلة التي استدل بها العلماء على أن ترك الصلاة كفر، وإن كان لهم خصال أخرى، لكن ذكر أول خصالهم أنهم تركوا الصلاة.
وقولهم: وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ هذا كفر آخر، إذا ترك الصلاة حتى خرج وقتها من غير عذر يكون مرتدًا.
وأدلة كفر تارك الصلاة كثيرة منها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة والبينية حد فاصل، فجعل بين الإسلام وبين الكفر ترك الصلاة.
ومنه حديث بريدة بن الحصيب عند أحمد وأصحاب السنن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ومن أقوى الأدلة أيضًا على أن ترك الصلاة كفر، ولو لم يجحد وجوبها، إذا جحد وجوبها هذا بالإجماع ما فيه إشكال كافر بالإجماع، حتى إذا جحد وجوب الزكاة، أو وجوب الصوم، أو وجوب الحج، إذا أنكر أمرًا معلوما من الدين بالضرورة هذا كافر بالإجماع، لكن إذا تركها ولو لم يجحد وجوبها، ومما يدل على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الخروج على ولاة الأمور والأمراء ما داموا يقيمون الصلاة.
فقال في حديث عوف بن مالك الأشجعي عند الإمام مسلم -رحمه الله-: خيار أئمتكم -يعني: ولاة الأمور- الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وتدعون لهم ويدعون لكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ -يعني: ما داموا شرارا ويتلاعنوا أفلا ننابذهم بالسيف؟- قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة ألا مَن ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يده من طاعة إذًا الحديث أصل في عدم الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، خلافًا للمعتزلة والخوارج والرافضة فالخوارج والمعتزلة يخرجون على ولاة الأمور.
الخوارج عندهم أن ولي الأمر إذا فعل معصية كفر يجب خلعه وقتله والخروج عليه، والمعتزلة كذلك عندهم أصل من أصولهم الخمسة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
النهي عن المنكر ستروا تحته الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، سموه النهي عن المنكر، والرافضة كذلك ليس عندهم الإمام إلا الإمام المعصوم، وهم الأئمة الاثنا عشر وعلى جميع ولاة الأمور من خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس إلى من بعدهم كلهم ولاة جور وظلم يجب قتلهم والخروج عليهم، ولا إمام إلا الإمام المعصوم، وأهل السنة والجماعة خرجوا عن هذه المعتقدات الفاسدة.
أهل السنة والجماعة لا يوافقون الخوارج ولا المعتزلة ولا الرافضة بل يرون السمع والطاعة لولاة الأمور فيما هو من طاعة الله، وأما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
إذا أمر ولي الأمر بالمعصية فلا يطاع، وإذا أمر الأب ابنه بالمعصية لا يطيعه، وإذا أمر الزوج زوجته بالمعصية لا تطيعه، لكن لا يخرج عليه ليس معنى كونه لا يطيعه في المعصية أنه يخرج عليه ويؤلب عليه وينابذه لا، المعنى أنه لا يطيعه في المعصية، لكن لا يخرج عليه، فإذا فعل ولي الأمر معصية ما، يجب الخروج عليه، ولو ظلم بعض الناس، أو قتل بعض الناس، أو سجن بعض الناس، أو شرب الخمر، أو فعل معصية ما يجوز الخروج عليه. لماذا؟
لأن الخروج على ولاة الأمور يترتب عليه مفسدة أعظم الافتراق والانشقاق، وإراقة الدماء، وتربص الأعداء بهم الدوائر، وتناحر المسلمين، وتطاحنهم فيما بينهم وتفرقهم وذهاب ريح الدولة، واختلال أحوال المسلمين المعيشية، والاقتصادية والتعليمية والسياسية والاجتماعية.
يترتب عليه فساد عظيم، وهناك قواعد شرعية معروفة مأخوذة من النصوص، وهي أنه إذا وجد مفسدتان لا بد من ارتكاب أحدهما، تُرْتَكَبُ أدنى المفسدتين لزوال أعلاهما، فعندنا مفسدتان: مفسدة معصية ولي الأمر"عصى، فسق، فعل المعاصي"هذه مفسدة.
والثانية: مفسدة الخروج عليه، وهي يترتب عليها إراقة الدماء وانشقاق المسلمين وتربص الأعداء بهم الدوائر، واختلال الأمن، واختلال المعيشة، والاقتصاد، واختلال السياسة، واختلال الزراعة والصناعة.
ويترتب عليها أمور عظيمة لا يُحْمَد عقباها، أيهما أعظم مفسدة؟ الخروج أعظم مفسدة، نرتكب مفسدة في الدنيا، وهي نصبر على معصية ولي الأمر، وندعو له، ونناصحه بما نستطيع النصيحة مبذولة من العلماء ومن غيرهم بما يستطيعون، ولو قدر أنه ما استطاع أو ما حصل شيء فاصبر، ثم أن صبرك فيه تكفير للسيئات، ورفع للدرجات.
وعلينا أن نتوب إلى الله، وأن نرجع إلى أنفسنا، وأن نصلح من أحوالنا فإن الله -تعالى- ما سلط علينا ولاة الأمور إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فجور الولاة من كسب الرعية، فإذا أرادت الرعية أن يصلح الله ولاة الأمور فليصلحوا أنفسهم، هكذا قرر أهل العلم، وهكذا قرر أهل السنة والجماعة
وهذا معتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي خلافًا لأهل البدع، شعار أهل البدع الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي كالرافضة والخوارج والمعتزلة من أصول أهل السنة والجماعة واعتقادهم وفصلوا فيها عن أهل البدع عدم الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي والسمع لهم في طاعة الله، وفي الأمور المباحة، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد.
متى يجوز الخروج على ولاة الأمور؟ إذا حصل كفر بواح صريح كما في الحديث الآخر: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان كفر موصوف بهذه الأوصاف بواح، يعني: بَيِّن ظاهر صريح، لا لبس فيه: عندكم من الله فيه برهان .
فإذا وجد الكفر جاز الخروج مع القدرة أيضًا بشرطين:
الشرط الأول: القدرة على ذلك. والشرط الثاني: أن يُزَال هذا الكافر، أو الحكومة الكافرة ويُؤْتَى بدلها بحكومة مسلمة. لا بد من هذا. أما أن يزال كافر، ويأتي كافر مكانه ما حصل المقصود. لا بد أن يغلب على الظن أنه يزال هذا الكافر ويؤتى بدله مسلم، ويكون هذا مع القدرة، أما يكون ما عندك قدرة لا يكلف ووجد البديل وهو إمام مسلم يقيم حكم الله، ويحكم بشرع الله في أرض الله، فلا بأس، أما أن يزال كافر، ويؤتى بكافر فلا. واضح هذا.
فإذا ضمنت هذا الحديث: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان وحديث: لا ما أقاموا فيكم الصلاة مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار، يجوز الخروج عليهم، فإذا ضممت هذا الحديث إلى هذا الحديث دل على أن ترك الصلاة كفر بواح.
وهذا من أقوى الأدلة على أن ترك الصلاة كفر بواح، الجمع بين الحديثين:
الحديث الأول: حديث عوف بن مالك لا ما أقاموا فيكم الصلاة يعني: لا يجوز الخروج عليهم ما أقاموا فيكم الصلاة، مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة أنهم كفار، يجوز الخروج عليهم.
والحديث الثاني: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان فلما أجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- الخروج على ولاة الأمور إذا لم يقيموا الصلاة، ولم يُجِزْهُ في الحديث الآخر إلا إذا وجد الكفر البواح، دل على أن ترك الصلاة كفر بواح، وهذا من أقوى الأدلة على أن ترك الصلاة كفر.