فهرس الكتاب
الصفحة 67 من 180

قول الجهمية الله شيء لا كالأشياء

قال أحمد وقلنا: هو شيء؟ فقالوا: هو شيء لا كالأشياء، فقلنا: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء، فعند ذلك تبين للناس لأنهم لا يثبتون شيئًا بشيء، ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشُّنعة لما يقرون من العلانية.

الشُّنعة بضم الشين يقال شنُع شناعة: قبح، فهو شنيع، والاسم: الشُّنعة، وقيل: المراد به: الفظاعة، يدفعون عن أنفسهم القبح والشناعة والفظاعة بهذا.

قال أحمد"وقلنا: أي للجهمية هو أي الله -عز وجل- الرب -عز وجل- هل هو شيء؟ قالوا: هو شيء لا كالأشياء. قال الله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ."

"قلنا: هو شيء؟": استفهام"قالوا: هو شيء لا كالأشياء"، فقال الإمام أحمد -رحمه الله-: الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء يعني أنه معدوم"."

ولكنكم أنتم لا تريدون أن تصرحوا وتقولوا: إنه معدوم؛ لأنكم تريدون أن تدفعوا عن أنفسكم الشناعة بما تقرون من العلانية.

أنتم تقرون من العلانية تقولون: إن هناك إلها، هناك ربا ، وتصفونه بهذه السلوب حتى تدفعوا عن أنفسكم الشنعة، وتصرحوا وتقولوا هو معدوم، لكن هذا هو العدم، الشيء الذي لا كالأشياء عدم، كيف ذلك؟

من قال: إن الله لا يشبه شيئًا -بوجه من الوجوه- من الأشياء، فإنه قال بالعدم، ما يقال: إن الله لا يشبه شيئا من الأشياء بوجه من الوجوه، بل هناك شيء لا بد من إثباته، مشابه، كل موجودات لا بد أن تتفق في شيء من الأشياء، وهو الاتفاق في المعنى الذهني عند إطلاق اللفظ والقطع عن الإضافة والتخصيص، كلفظ وجود، لفظ علم لفظ يد.

من المعلوم بالضرورة أنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك يتفقان فيه، في الذهن، في مطلق اللفظ، عند القطع عن الإضافة والتخصيص، ولا يجب تماثلهما في الخارج كلفظ وجود، لفظ"وجود"يشمل وجود الله، ووجود المخلوق، ففي الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وهو وجود الله، وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم، وهو وجود المخلوق، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود تماثلهما عند الإضافة والتخصيص لماذا؟

لا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود تماثلهما عند الإضافة والتخصيص؛ لأن الاتفاق إنما هو في المسمى العام، لفظ وجود، وهو لا يقتضي التماثل في مسمى الاسم عند تخصيصه وإضافته.

لفظ وجود يشمل وجود الله ووجود المخلوقين لماذا هذا الاشتراك في أي شيء؟

اشتراك في مطلق اللفظ وفي الذهن، لفظ وجود، أعرف في الذهن أن الوجود ضد العدم يشمل وجود الله، ووجود المخلوق، لكن متى يزول الاشتباه؟ عند التخصيص والإضافة، إذا قلت وجود الخالق، وجود المخلوق خلاص تبين.

وجود الخالق وجود كامل لا يعتريه نقص، ولا موت ولا نعاس ولا نوم ولا فساد، أما وجود المخلوق فيعتريه ذلك.

لفظ يد تشمل يد المخلوق ويد الخالق لماذا؟

لأنها قطعت عن الإضافة، بينهما اتفاق في الذهن، فيه اشتراك، وكذلك في مطلق اللفظ، لكن إذا أضفت يد الخالق زال الاشتباه، يد المخلوق زال الاشتباه.

يمثل العلماء العرش والبعوضة متفقان في مسمى الشيء والوجود، كل من العرش والبعوضة موجود، هذا الاتفاق متى يكون الاتفاق بين العرش والبعوضة، أو بين البعوضة والفيل؟

عند القطع عن الإضافة والتخصيص.

"وجود": كل من العرش والبعوضة موجود.

حياة: كل منهما حي، وفيل، لفظ الحياة.

لكن لفظ الحياة، اسم الحياة، اسم الوجود، هذا عام فلا يقول عاقل: إن العرش والبعوضة: أو البعوضة والفيل متماثلان لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود، فكذلك أسماء الله وصفاته توافق أسماء المخلوقين وصفاتهم عند الإطلاق والتجريد عن التخصيص.

لفظ يد، علم، قدرة، سمع، بصر، يد تشمل يد الخالق ويد المخلوقين عند الإطلاق يد، قدرة تشمل قدرة الخالق والمخلوق، سمع يشمل سمع الخالق والمخلوق، متى يزول الاشتباه؟ أو متى يزول الاشتراك؟ إذا أضفت أو خصصت، يد الله، يد المخلوق، قدرة الله، قدرة المخلوق، زال الاشتباه، أما عند القطع فيه اشتراك، لا بد من الاشتراك، فالذي لا يثبت هذا الاشتراك معناها أنه نفي وجود الله، نفي أسمائه وصفاته، والجهم نفى هذا الاشتراك فأنكر وجود الله.

إذًا أسماء الله وصفاته توافق أسماء المخلوقين وصفاتهم عند الإطلاق والتجريد عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق المسمى الموجود في الخارج، وعند الاختصاص والإضافة يقيد بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق من الخالق.

وإن كان العقل يفهم قدرًا مشتركًا من المسميين فلا بد من هذا، فيفهم ما دل عليه الاسم بالمواطئة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه -سبحانه وتعالى-.

فإذًا لا بد من إثبات نوع من الاشتباه، نوع من الشبه بين الخالق والمخلوق، لا بد من إثباته، وهو الاشتراك في الذهن، وفي مطلق اللفظ عند القطع عن الإضافة والاختصاص، هذا فيه اشتراك بين الخالق والمخلوق، لفظ وجود، لفظ قدرة، لفظ سمع، فالذي ينفي هذا النوع من الاشتباه معناه أنكر وجود الله، أنكر أسماءه وصفاته.

والجهم أنكر هذا؛ ولهذا قال الإمام أحمد للجهم هو شيء؟ قال: شيء لا كالأشياء، لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه، حتى ولا في الذهن عند القطع بالإضافة والتخصيص، فقال الإمام أحمد إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء أنه معدوم.

فعند ذلك تبين للناس أنهم -يعني الجهمية - أنهم لا يثبتون شيئًا، لا يثبتون وجودا لله، لا يثبتون شيئًا من أسمائه وصفاته، ولا يثبتون وجودا لله، ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون من العلانية، يقولون: نثبت الإله، ويصفونه بالسلوب حتى يدفعوا عن أنفسهم الشناعة، ما تجرءوا على القول بإنكار وجود الله صراحة؛ لأنهم زنادقة ومنافقون.

لكن أهل العلم كالإمام أحمد عرفوا أنهم ينكرون وجود الله، من قولهم: هو شيء لا كالأشياء.

فالذي يقول: إن الله شيء لا كالأشياء، أو لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه هذا إنكار لوجود الله، لا بد أن تثبت وجهًا من المشابهة في الذهن، وفي مطلق اللفظ عند القطع عن الإضافة والتخصيص، مثل لفظ وجود، لفظ علم، لفظ قدرة، لفظ سمع، لفظ يد، هذا فيه نوع اشتباه واشتراك بين الخالق والمخلوق.

لكن هل هو موجود في الخارج؟ لا، إلا بالإضافة والتخصيص، لفظ يد هذا عام في الذهن، في الذهن تتصور أن لفظ يد يشمل يد الخالق ويد المخلوق، لفظ علم يشمل علم الخالق وعلم المخلوق في ذهنك، لفظ قدرة تشمل قدرة الخالق وقدرة المخلوق.

هذا نوع من الشبه بين الخالق والمخلوق، متى يزول هذا الاشتراك؟ إذا أضفت، ويشبه هذا مثل لفظ إنسان، الإنسانية معنى في الذهن لفظ الإنسان يشمل جميع الآدميين، اشتراك واشتباه متى يزول الاشتباه في الخارج؟ إذا سميت عمرو، بكر، خالد وفلان، زال الاشتباه بأفراده في الخارج، لكن لفظ إنسان هذا عام، يشمل، لكن خصص محمد، بكر، علي، زال الاشتباه.

لفظ الحيوانية، حيوان هذا عام معناه في الذهن، متى يزول الاشتراك بأفراده في الخارج، فرس، جمل، خروف، وهكذا في الأفراد، أما لفظ حيوان، لفظ إنسان، لفظ علم، لفظ قدرة، لفظ وجود، هذا عام مشترك، لكنه في الذهن ما فيه اشتراك في الخارج، اشتراك معنى في الذهن عند إطلاق اللفظ وعدم تقييده وتخصيصه.

أظنه اتضح معنى قول الإمام أحمد"وقلنا: هو شيء فقالوا: هو شيء لا كالأشياء، فقلنا: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء فعند ذلك تبين للناس لأنهم لا يثبتون شيئًا بشيء"، كلمة بشيء -إن صحت- يعني بشيء من الأدلة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام