فهرس الكتاب
الصفحة 171 من 180

باب تأويل الجهمية لمعية الله والرد عليهم

قال -رحمه الله-تعالى-: بيان ما تأولت الجهمية من قول الله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ الآية. قالوا: إن الله -عز وجل- معنا وفينا، فقلت: لِمَ قطعتم الخبر من أوله إن الله -عز وجل- يقول: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ؟ فأخبر -جل ثناؤه- أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض.

يعني: الجهمية تأولوا قول الله -تعالى-: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا تأولوها بأن المعية معناها الاختلاط، وأن الله مختلط بالخلق، ممتزج بهم.

تأولوا الآية قالوا: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ يعني: معهم، بينهم في الأرض، إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ بينهم، معهم -تعالى الله-، هم يقولون: معنا وفينا، مع الثلاثة، ومع الأربعة، ومع الخمسة، إذن معنا وفينا، قال الإمام ردا عليهم: فلِمَ قطعتم الخبر من أوله؟ يعني الآية التي أخبر وهي قوله -تعالى-: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ نقول: اقرءوا الآية من أولها: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى معية علم وإحاطة، وليست معية اختلاط.

وسبق أن المعية معناها في اللغة العربية مطلق المصاحبة، تفيد المصاحبة، ولا تقتضي الاختلاط، ولا الامتزاج، ولا المماسة، ولا المحاذاة عن اليمين ولا عن الشمال، هذا أصلها في اللغة العربية، وهي تختلف باختلاف متعلقاتها ومصحوبها.

إذن هؤلاء ما تمشوا مع اللغة العربية، في اللغة العربية هل معنى المعية الاختلاط؟ لا، معناها المصاحبة، وهي تختلف باختلاف متعلقاتها ومصحوبها، تقول: فلان أنا معك، يعني: مالي معك، هذا نوع من متعلقات المعية، فلان زوجته معه، هو في المشرق وهي في المغرب معه يعني: في عصمته.

تقول العرب ما زلنا نسير والقمر معنا، القمر فوق، مازلنا نسير والنجم معنا، إذن المعية لا تقتضي الاختلاط ولا الامتزاج، فالجهمية أخذوا من هذه الآية أنها تفيد الاختلاط والامتزاج.

هذا من أبطل الباطل؛ ولهذا قال الإمام -رحمه الله-: لِمَ قطعتم الخبر من أوله؟ اقرءوا الآية من أولها افتتحها الله بالعلم وختمها بالعلم، فدل على أن المعية معية علم.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ هذا علم ثم قال: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام