فهرس الكتاب
الصفحة 19 من 180

شبهتهم في قوله تعالى"هذا يوم لا ينطقون"والرد عليها

أما تفسير هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون، ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون، فذلك قوله رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا فإذا أذن لهم في الكلام تكلموا واختصموا، فذلك قوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ عند الحساب، وإعطاء المظالم.ثم يقال لهم بعد ذلك: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ أي: عندي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ أي: في الدنيا، فإن العذاب مع هذا القول كائن.

هذا نهاية الجواب، وهذه هو المثال الثاني لما شكت فيه الزنادقة من متشابه القرآن وأولته على غير تأويله أنهم قالوا: إن الله تعالى أخبر في آية أنهم لا ينطقون، وفي آية أخبر أنهم يختصمون.

أجاب الإمام -رحمه الله- قال: مواقف القيامة متعددة، يوم طويل، يوم عظيم، يوم القيامة يوم طويل، في بعض المواقف لا ينطقون، وفي بعضها ينطقون؛ لأن مشاهد القيامة متعددة؛ ولهذا قال الإمام -رحمه الله- أول ما يبعث الله الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ما يتكلمون، ولا يؤذن لهم فيعتذرون، ثم بعد ذلك يأذن الله لهم في الكلام فيتكلمون.

ولهذا أخبر الله عنهم أنهم قالوا: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ لمّا أُذن لهم في الكلام تكلموا، قالوا: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا وطلبوا الرجعة، أنهم يرجعون للدنيا حتى يعملوا صالحًا رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ فحينئذٍ يتكلمون، ويختصمون، وهذا هو معنى قوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يعني: عند الحساب وإعطاء المظالم، ثم بعد اختصامهم يقول الله لهم: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ في الدنيا جاءكم الوعيد والتحذير والتخويف والإنذار، جاءتكم الرسل بلغتكم، بلغتكم القرآن، بلغتكم السنة، لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يقول الله تعالى: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ثم بعد ذلك لا يكون إلا العذاب، قامت عليهم الحجة؛ ولهذا قال المؤلف:"فإن العذاب مع هذا القول كائن".

بعض الناس يقولون: إن الله -سبحانه وتعالى- موجود في كل مكان، واستدلوا بقول الله -عز وجل-: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ فكيف نرد على هؤلاء؟ وجزاكم الله خيرًا؟.

هذه من الأمثلة التي سيناقشها المؤلف -رحمه الله- في الرسالة هذا قول الجهمية قال: إنهم وجدوا ثلاث آيات، استدلوا بها على أن الله في كل مكان، هذه الآية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ والآية الأخرى وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ .

المقصود أن هذه الآية ليس لهم دليل فيها وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ المعنى: علمه في السماوات وفي الأرض، وأما هو سبحانه، ذاته فوق العرش كما قال سبحانه ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ .

النصوص التي فيها إثبات العلو يقول العلماء: تزيد على ثلاثة آلاف، كلها صريحة وواضحة في إثبات العلو، فكيف تترك أكثر من ثلاثة آلاف دليل كلها صريحة في إثبات العلو وتأتي بالآية المشتبهة هذه؟! هذه علامة أهل الزيغ، يقول العلماء: علامة أهل الزيغ أن يترك المحكم ويتعلق بالمتشابه، هذه الآية المتشابه ترد إلى المحكم، ردها إلى النصوص المحكمة، فتفسر بها كما قال الله تعالى عن الراسخين في العلم قال: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا فهذه الآية المراد بها العلم وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ يعني: علمه في السماء وعلمه في الأرض، كما أن علمه في السماء.

بعض العلماء وقف على قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ ثم يبتدئ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ هذا ليس بجديد. المقصود أن المراد بالآية العلم.

إذا قال قائل: اسم الله ليس بمشتق، فهل يترتب على هذا الخلاف ثمرة؟

نعم. يصير ما تدل على الصفات غير مشتق، مثلًا الرحمن لا تدل على الرحمة، العليم ما يدل على صفة العلم، الله ما يدل على صفة الألوهية هذا معناه يعني: جامدة، مشتقة يعني تدل على الصفات، كل اسم يدل على الصفة، الله فيه إثبات صفة الألوهية، الرحمن: يدل على صفة الرحمة، العليم: يدل على صفة العلم، والقدير: على صفة القدرة، والقول بأنه جامد غير مشتق، معناه إنكار للصفة التي دلت عليها الأسماء.

هل الطائفة المنصورة لا يخرج عنهم الحق في الأصول والفروع، بحيث إن مجموعهم لا يغلطون؟

نعم معصومون، الأمة معصومة من أن تجمع على ضلالة، الأمة كلها، كما جاء في الحديث: لا تجتمع أمتي على ضلالة ولا يمكن أن تجمع الأمة كلها على ضلالة وعلى باطل، الحق موجود في الأمة، ما يخرج عنها.

أما الواحد أو الأفراد قد يغلطون، لكن الأمة معصومة في مجموعها أن يخرج عنها الحق، ما يخرج عنها الحق لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله هذا هو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-.

هل يكفر من يسب الصحابة ؟

يختلف هذا، إذا كان سبهم لدينهم، يكفر أو فسقهم أو كفرهم هذا يكفر، كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره؛ لأنه تكذيب لله، الله تعالى عدلهم وزكاهم فمن قال: إنهم كفار وفساق فقد كذَّب الله، يكون مرتدا، الله تعالى يقول: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ الله يقول: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هذا يقول هم كفار وفساق، كذّب الله، ومن كذب الله كفر.

فالذي يقول الصحابة كفار أو فساق أو كلهم كفروا أو فسقوا أو ارتدوا بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو فاسق، أما السب فيختلف إذا سبه لدينه كفر، أما سبه لغيظ، هذا محل نظر.

وكذلك من قال: إن الله في كل مكان -تابع للسؤال الأول- من قال: إن الله في كل مكان فهو كافر، الله تعالى فوق العرش، مكذب لله، من قال: إن الله في كل مكان كفر.

ما هي الصفات السبع التي أثبتها الأشاعرة ؟ لأنه يدرسنا أستاذ أشعري، ونفى صفة العَجَب، فكيف نرد عليه؟

الحياة والكلام والبصر والسمع والإرادة والعلم والقدرة، هذه الصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة يقول:

فله الحياة والكلام والبصر

سمع إرادة وعلم واقتدر

مع أن الكلام ما أثبتوه على حقيقته، صفة الكلام قالوا: إنه يتكلم بغير حرف ولا صوت، معنًى قائم بنفسه لا يُسمع، هذه من الصفات السبع التي أثبتوها، يعني ما أثبتوا إلا ستا، والسابعة ما أثبتوها على وجهها الصفة هذه يقول: ما يتكلم بحرف ولا بصوت، معناه: الكلام معنًى قائم في النفس معنى في نفسه، وقالوا: اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بهذا القرآن، فهذا القرآن عبر به جبريل أو محمد والله لم يتكلم لا بحرف ولا صوت.

هذا قول الأشاعرة ومنهم من قال: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، ومنهم من قال: إن محمدا هو الذي عبر، أتى بهذه الألفاظ، فهذه الألفاظ من قول جبريل أو من قول محمد والله لم يتكلم لا بحرف ولا صوت، نعوذ بالله.

أما العجب بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ يعجب ربك هذه من الصفات الفعلية، كما يليق بجلال الله وعظمته، يضحك الله، له صفة الضحك والعجب والرحمة والرضا والغضب إلى غير ذلك من الصفات، كلها ثابتة لله على ما يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه أحدًا من خلقه في شيء من صفاته -سبحانه وتعالى- كما قال سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

هل الأشاعرة من أهل السنة وهل الزيدية أقرب لأهل السنة من الأشاعرة ؟

الأشاعرة ليسوا من أهل السنة لكن يسمون أنفسهم أهل السنة في مقابل المعتزلة ؛ لأنهم يثبتون سبع صفات، والمعتزلة لا يثبتون شيئًا، لكن في الواقع ليسوا من أهل السنة ؛ لأنهم ينفون بقية الصفات؛ ولأنهم يقولون: إن العبد مجبور، أيضًا جبرية هم. ولا يثبتون للعبد فعلا، يثبتون له كسبا، كل هذا مخالف لأهل السنة مخالف في كثير من مسائل الدين يخالفون أهل السنة لكن هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة في الصفات السبع وما أشبهها أما إطلاق أهل السنة عليهم- لا ليسوا من أهل السنة

أما الزيدية فيما يتعلق بالصحابة الزيدية يفضلون عليّا على عثمان المعروف عن الزيدية أنهم لا يسبون الصحابة فيكونون مبتدعة، هذه مسألتهم تتعلق بالصحابة والأشاعرة تتعلق بالصفات.

أما مسألة معتقدهم، معتقد الزيدية في الصفات قد يكون في الغالب أنهم يوافقون المعتزلة والرافضة يوافقونهم وقد يخالفونهم لكن مسألة الزيدية هذه فيما يتعلق بالصحابة تفضيل عليّ على عثمان أو تفضليه على الشيخين بدون سب، ليسوا سبابة، بخلاف الرافضة فإنهم يسبون الصحابة هذا فيما يتعلق بالصحابة والأشاعرة فيما يتعلق بالصفات.

هل يجوز الترحم على العلماء من غير أهل السنة كالرازي والزمخشري والجاحظ وهل العز بن عبد السلام أشعري؟

الرازي تاب، كان من الأشاعرة ثم من الجهمية الذين ينفون النقيضين لا داخل العالم ولا خارجه، ورد عليهم شيخ الإسلام وله مؤلفات وله كتب، حتى قال شيخ الإسلام له كتاب، كتابه في التفسير، يقول العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير، فيه الفلك والطب والهندسة إلا التفسير، وله كتاب"السر المكتوم في عبادة النجوم".

لكن ذكر شيخ الإسلام في"بيان تلبيس الجهمية"أنه تاب وترحم عليه، وذكر وصية في آخر حياته.

وأما الغزالي فبقي الغزالي على طريقة أهل الكلام والتصوف، يترحم عليهم؛ لأنهم قد يكونون مثلا ما تعمدوا، قد يكونون مثلا ما بلغهم الحق، فالمقصود أن الذي ليس إمامًا في البدعة قد يترحم عليهم، قد يغلط قد يكون أشعريًا مثل أئمة أهل الحديث، بعض المحدثين الذين غلطوا ولم يوفقوا لمن ينشئهم على معتقد أهل السنة والجماعة كالنووي والحافظ ابن حجر لهم تأويلات توافق مذهب الأشاعرة في الصفات، لكنهم لم يتعمدوا وهم علماء فطاحل لهم يد طولى في الحديث وفي نفع الأمة وفي مصطلح الحديث، لكن غلطوا في هذه المسائل، لكن المعتزلة أئمة المعتزلة أئمة الجهمية هؤلاء بدعتهم شديدة غليظة حتى كفر بعض أهل العلم المعتزلة والجهمية كفرهم خمس مائة عالم، من العلماء من كفرهم بإطلاق وقال عبد الله بن المبارك إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى ولا نحكي أقوال الجهمية

أما العز بن عبد السلام فلا أدري عن معتقده، لكن في ظني أنه من أهل السنة

من يقول: إن أهل السنة والجماعة عندهم قصور في تعظيم أهل البيت بخلاف الشيعة الذين بالغوا في تعظيمهم، هل يُعد من يقول هذا القول من أهل السنة ؟.

لا هذا قول باطل، أهل السنة ما قصروا، أهل السنة أنزلوهم المنزلة اللائقة بهم، ما عبدوهم، الشيعة الرافضة غلوا حتى عبدوا أهل البيت والنواصب آذوا أهل البيت وعادوهم وسبوهم، وأهل السنة توسطوا لم يسبوهم ولم يعادوهم كما فعل النواصب ولم يعبدوهم من دون الله، بل أنزلوهم المنازل اللائقة بهم، ترحموا عليهم، وترضوا عنهم، وأحبوهم ووالوهم، فالذي يقول: إن أهل السنة قصروا هذا شيعي وإلا متأثر بالشيعة ما يعلم قول أهل السنة كيف قصروا؟! يريد أن يعبدوهم من دون الله؟ العبادة حق الله، نحن نحب أهل البيت ونواليهم ونترحم عليهم ونترضى عليهم لكن لا نعبدهم ولا نؤذيهم ونسبهم كما يفعل الخوارج بل نحبهم ونترضى عليهم ونواليهم.

طول الإنسان في يوم القيامة ستون ذراعا في السماء وإن ضرس أهل النار مثل جبل أحد ومعنى هذا أن الضرس أكبر من الجسد فكيف يمكن التوفيق وجزاكم الله خيرًا؟.

يعظم الجسد، إذا كان الجسد هكذا يُعظم، الجسد كل الجسد يعظم، حتى يذوق العذاب، وأهل الجنة طول الواحد منهم ستون ذراعًا في السماء هذا ثابت، وأما حديث أن عرضه سبعة أذرع فهذا جاء في هذا حديث رواه الترمذي في سنده لين. ا.هـ

وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام