فهرس الكتاب
الصفحة 87 من 180

بيان ما أبطل الله أن يكون القرآن إلا وحيًا وليس بمخلوق

باب: بيان ما أبطل الله أن يكون القرآن إلا وحيا وليس بمخلوق قوله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى قال: ذلك أن قريشا قالوا: إن القرآن شعر، وقالوا: أساطير الأولين، وقالوا: أضغاث أحلام، وقالوا: تقوّله محمد من تلقاء نفسه، وقالوا: تعلمه من غيره؛ فأقسم الله بالنجم إذا هوى -يعني القرآن إذا نزل- فقال: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ يعني محمدا وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى يقول: إن محمدا لم يقل هذا القرآن من تلقاء نفسه فقال: إِنْ هُوَ يعني القرآن إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فأبطل الله أن يكون القرآن شيئا غير الوحي بقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى .

ثم قال: عَلَّمَهُ يعني: علّم جبريل محمدا -صلى الله عليه وسلم- القرآنَ، وهو: شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى إلى قوله: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى فسمى القرآن وحيا ولم يسمه خلقا.

إذًا هذا الباب فيه بيان أن القرآن وحي الله، أن الله سمى القرآن وحيا ولم يسمه خلقا، ففيه الرد على الجهمية القائلين بأن القرآن مخلوق.

ولهذا بوب الإمام أحمد -رحمه الله- باب بيان ما أبطل الله أن يكون القرآن إلا وحيا وليس بمخلوق قوله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى قال: وذلك أن قريشا قالوا: إن القرآن شعر، وقالوا: أساطير الأولين اكتتبها، وقالوا: أضغاث أحلام، وقالوا: تقوّله محمد من تلقاء نفسه، وقالوا: تعلّمه من غيره.

كم قولا؟ خمسة أقوال، فأقسم الله بالنجم إذا هوى -يعني القرآن إذا نزل- فقال: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى يعني القرآن إذا نزل، هوى: نزل لأنه نزل منجما، يعني مفرقا على حسب الحوادث، هذا أحد الأقوال.

وقيل المراد بالنجم وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى الثُّريَّا إذا سقطت مع الفجر، ويكون الله تعالى أقسم بالثريا؛ لأن له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته.

وقيل: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى إذا رُمي به الشياطين، قال الحافظ ابن كثير وهذا القول له اتجاه؛ فإذًا أقسم الله بالنجم إذا هوى -وهو القرآن إذا نزل، أو الثريا إذا سقطت مع الفجر، أو النجم إذا رُمي به الشياطين- أقسم على مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى صاحبكم يعني: محمدا -صلى الله عليه وسلم- ما ضل: ليس ضالا، وما غوى: ليس غاويا ، أقسم الله أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- ليس ضالا ولا غاويا، بل هو بار راشد.

الأقسام ثلاثة: إما أن يكون الإنسان ضالا ، وإما أن يكون غاويا، وإما أن يكون راشدا، فالضال: الذي ليس معه علم، جاهل، ما عنده علم ولا بصيرة ولا دليل.

والغاوي: هو الذي معه العلم والبصيرة لكن انحرف، ترك العلم واتبع الهوى؛ يقال له: غاوٍ، والوصف الأول: الضلال ينطبق على أكثر النصارى أكثرهم ضُلاَّل، ويوجد فيهم علماء لكن غالبهم ضُلاَّل، والوصف الثاني: الغواية ينطبق على اليهود أكثر اليهود معهم علم، ولكن لم يعملوا به، ومن فسد من العلماء من هذه الأمة فله شَبَهٌ من اليهود ومن فسد من العبّاد والزُّهاد من هذه الأمة فله شَبَه بالنصارى والغاوي مغضوب عليه، لأنه ترك الحق مع معرفته، والضال هو المنحرف، وهذان الصنفان هما اللذان أمرنا الله أن نسأله أن يجنبنا طريقهم في كل ركعة من ركعات الصلاة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هؤلاء اليهود الغاوين ومن معهم وَلَا الضَّالِّينَ هؤلاء النصارى

بقي المنعم عليهم، فمحمد مُنعَم عليه بار راشد، ليس ضالا كالنصارى وليس غاويا كاليهود بل هو منعم عليه بار راشد.

فالناس ثلاث طبقات: منعم عليهم وضالون ومغضوب عليهم، فالذين تركوا العمل ومعهم علم، هؤلاء المغضوب عليهم كاليهود والذين عبدوا الله على جهل وضلال سموا ضلالا كالنصارى والذي عرف الحق وعمل به هذا منعم عليه بار راشد.

فالله أقسم بالنجم أو بالقرآن، وله أن يقسم بما يشاء -سبحانه وتعالى- بأن محمدا ليس غاويا ولا ضالا، بل هو منعم عليه راشد بار.

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى يعني محمدا -صلى الله عليه وسلم- وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى أي إذا كان راشدا بارا منعما عليه ليس غاويا ولا ضالا ؛ فلا يمكن أن يُغيّر القرآنَ ولا يمكن أن يُبدله بل هو يأتي به من عند الله مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى يقول: إن محمدا لم يقل هذا القرآن من تلقاء نفسه كما وصفه به المشركون فقال: إِنْ هُوَ يقول: ما هو -يعني القرآن- إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ؛ فأبطل الله أن يكون القرآن شيئا غير الوحي لقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ثم قال: عَلَّمَهُ يعني علّم جبريل محمدا -صلى الله عليه وسلم- القرآن، وهو شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى إلى قوله: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى فسمى القرآن وحيا ولم يسمه خلقا، ففيه الرد على هؤلاء الجهمية الذين يقولون: إن القرآن مخلوق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام