شبهتهم في شهادة الأشهاد ونفي العلم من الرسل (تابع)
الجواب: أما قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ فإنه يسألهم عند زفرة جهنم فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ في التوحيد فتذهب عقولهم عند زفرة جهنم فيقولون: لا علم لنا، ثم ترجع إليهم عقولهم من بعد فيقولون: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة
إذًا الجمع بين الآيتين، أن كل من الآيتين محمولة على حال، فقوله عن الرسل أنهم قالوا: لَا عِلْمَ لَنَا فهذا عند زفرة جهنم حين تذهب عقولهم، ثم ترجع إليهم عقولهم فيقولون: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ يعني: تحمل كل من الآيتين على حالة، ففي أول الأمر عند شدة الهول، يقولون: لا علم لنا، فإذا خف هذا الأمر فإنهم يشهدون، ويقولون: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ .
إذًا يقولون في أول الأمر من شدة الهول عند زفرة جهنم وشدة الهول؛ لأن الله -تعالى- يقول: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .
سيأتي الحديث أن دعوى الرسل: اللهم سلم سلم عند مرور الناس على الصراط، ويقول الخليل: اللهم لا أسألك إلا نفسي فالمقصود أن جواب الإمام -رحمه الله- أن كلا من الآيتين محمولة على حالة، هناك جواب آخر، وهو اختيار ابن جرير -رحمه الله- يقول: قوله سبحانه عن الرسل: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا أي: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا؛ لأننا وإن علمنا إجابتهم فإن علمنا علم بالظواهر فقط دون البواطن، وأما أنت يا رب، فأنت عالم بالظواهر والبواطن.
وهناك جواب آخر أيضا، وهو أن قوله -تعالى: مَاذَا أُجِبْتُمْ سؤال لهم عما عملوا بعدهم، فيقولون: لَا عِلْمَ لَنَا لا نعلم ما أحدثوا بعدنا، ولا نعلم أعمالهم، وهذا قول مرجوح.
والمعتمد القولان، القول الذي اختاره ابن جرير والقول الذي ذكره الإمام أحمد -رحمه الله- أن كلا من الآيتين محمولة على حالة، عند شدة الهول يقولون: لَا عِلْمَ لَنَا ثم بعد ذلك يشهدون أو لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا، وعلمنا قاصر على الظواهر، وأما علمك فهو علم شامل للبواطن والظواهر، نعم.
يؤيد هذا قول عيسى -عليه الصلاة والسلام-: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ نعم قد يدل هذا القول، الآية قد تدل بهذا القول لكن المعتمد القولان السابقان، نعم.