ونحب أن ننبه هنا على معنى هام، كثيرا ما يختلط في ذهن بعض المسلمين، وهو ضرورة التمييز بين الأمر الكوني والأمر الشرعي، أو الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، أو بين ما أراده الله بنا وبين ما أراده منا. بمعنى أن المسلم مطالب أولاً وآخراً بتتبع الأوامر الشرعية والتزام ما هو مطلوب منه والعمل به بقدر وسعه وطاقته، أيًّا كان زمانه ومكانه على ساحة العمل الإسلامي، فهذا هو ما سيحاسبه الله عليه فقط.
وأما وراء ذلك من الأوامر الكونية التي أرادها اله بمشيئته المطلقة وحكمته البالغة، فالله أعلم أين ومتى يهب نصره وتمكينه لمن يستحق ذلك من عباده. فالعبد ليس له تجاه هذه الأوامر الكونية -متى ثبتت بالنصوص الشرعية الصحيحة- إلا الإيمان بها والتسليم لها، وتوسم المقدمات والنتائج المرتبطة بها دون أن يقعده ذلك عن مهمته التي كلفه بها ربه، ووظيفته التي ألزمه بها، والتي سيحاسبه عليها بمقتضى الأوامر الشرعية -فقط- التي توضح له هذه المهمة وترسم له حدود هذه الوظيفة.