فهرس الكتاب
الصفحة 174 من 222

وأهل السنة والجماعة لا يعاملون المستتر ببدعته كما يعاملون المظهر لها أو الداعي إليها، فالمظهر للبدعة والداعي إليها يتعدى ضرره إلى غيره، فيجب كفه والإنكار عليه ومعاقبته بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره، وأما المستتر ببدعته فينكر عليه سراً، ويستر عليه، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله.

*(من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع .. رأى المسلمين أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المطهرين للبدع، الداعين إليها، والمظهرين للكبائر.

فأما من كان مستتراً بمعصية أو مسراً لبدعة غير مكفرة، فإن هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة. وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً أو عملاً. وأما من أظهر لنا خيراً فإنا نقبل علانيته ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله ..

* ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعة، ولا يجالسونه، بخلاف الساكت، وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رمى ببدعة من الساكتين، ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع). ج24 ص172 - 175.

* (الهجر الشرعي نوعان:

(أحدهما) : بمعنى الترك للمنكرات.

(والثاني) : بمعنى العقوبة عليها.

(فالأول) : يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة .. بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم أو حضر بغير اختياره .. وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات .. ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان، فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذي لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به ..

(والنوع الثاني) : الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى يتوب منها، كما هجر النبي، صلى الله عليه وسلم، والمسلمون: الثلاثة الذين خُلفوا حتى أنزل الله توبتهم، حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر، ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقاً. فهنا الهجر بمنزلة التعزير. والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل المحرمات، كتارك الصلاة والزكاة، والتظاهر بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع.

وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم، ولا يصلي خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يناكحون. فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا، ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية، لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة، بخلاف الكاتم فإنه ليس شراً من المنافقين الذين كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله، مع علمه بحال كثير منهم .. فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها بخلاف الباطنة فإن عقوبتها على صاحبها خاصة). ج28 ص203 - 206، ج38 ص216، 217.

* (من فعل شيئاً من المنكرات، كالفواحش والخمر والعدوان وغير ذلك، فإنه يجب الإنكار عليه بحسب القدرة .. فإن كان الرجل مستتراً بذلك، وليس معلناً له، أنكر عليه سراً وستر عليه .. إلا أن يتعدى ضرره، والمتعدي لا بد من كف عداوته، وإذا نهاه المرء سراً فلم ينته، فعل ما ينكف به من هجر وغيره إذا كان ذلك أنفع في الدين.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام