فهرس الكتاب
الصفحة 33 من 222

الاشتقاق اللغوي للجماعة واضح، فهو مشتق من الاجتماع، وضد الاجتماع الفرقة. يقول ابن تيمية: (الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين) [1] ا. هـ.

ولكن إذا ذكر لفظ الجماعة مع السنة فقيل: أهل السنة والجماعة، كان المراد بها (سلف هذه الأمة من الصحابة و التابعين الذين اجتمعوا على الحق الصريح من كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم) [2] .

فما كان عليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه- رضي الله عنهم- فهو الحق الذي يجب الإقتداء بهم فيه واتباعه، وكل من جاء بعدهم سالكا سبيلهم مقتفيا آثارهم فهو (الجماعة) سواء كان فردًا أم جمعًا.

يقول أبو شامة: (حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيًرا، لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه- رضي الله عنهم-، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم) [3] ا. هـ.

ولما سئل عبد الله بن المبارك عن (الجماعة) قال: (أبو بكر وعمر) فقيل له: قد مات أبو بكر وعمر. قال: (ففلان وفلان) . فقيل له: قد مات فلان وفلان. قال ابن المبارك: (أبو حمزة السكري جماعة) [4] .

فابن المبارك أراد أن يفسر الجماعة بمن اجتمعت فيه صفات الاتباع الكامل للكتاب والسنة، ولذلك ضرب المثل بمن يقتدي بهم من هؤلاء، فلم يذكر في زمنه إلا أبا حمزة السكري الذي كان من أهل العلم والفضل والزهد.

وأما الأحاديث التي أوجبت الالتزام بالجماعة وعدم الخروج عليها، فقد اختلف العلماء في المقصود بالجماعة الواردة في الأحاديث خلاف تنوع لا تضاد ولا تعارض فيه فيما نرى:

1 -فذهب البعض إلى أن الجماعة هنا هم الصحابة دون من بعدهم، (فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أبدًا) [5] .

وهذا القول مروي عن عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه-.

فعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله، عليه الصلاة والسلام:"ما أنا عليه اليوم وأصحابي". فكأنه راجع إلى ما قالوه وما سنوه، وما اجتهدوا فيه، فهو حجة على الإطلاق بشهادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لهم بذلك، خصوصاً في قوله:"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين .. الحديث"وأشباهه.

2 -وقيل: هم أهل العلم والفقه والحديث من الأئمة المجتهدين، (لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين) [6] . وهذا قول البخاري، فإنه قال: (باب(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) . وما أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بلزوم الجماعة، وهم: أهل العلم) [7] . وقال الترمذي: (وتفسير الجماعة عند أهل العلم: هم أهل الفقه والعلم والحديث، ثم ساق روايته عن ابن المبارك حين قال: أبو بكر وعمر -لما سئل عن الجماعة) [8] . وقال ابن سنان: (هم أهل العلم وأصحاب الآثار) [9] .

وعلى هذا فالجماعة هم أهل السنة العالمون العارفون المجتهدون. فيخرج من هؤلاء المبتدعة. كما يخرج منهم العامة المقلدون، فإنهم لا يقتدى بهم، وإنما الغالب فيهم أنهم يكونوا تبعا للعلماء.

(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج3 ص157.

(2) شرح الواسطية لهراس ص16.

(3) الباعث لأبي شامة ص22.

(4) شرح السنة للبغوي ج1 ص205.

(5) الاعتصام للشاطبي ج2 ص262.

(6) فتح الباري ج13 ص27.

(7) فتح الباري ج13 ص316.

(8) سنن الترمذي ج4 ص465.

(9) شرف أصحاب الحديث ص26، 27.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام