12 -والبدع التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء، هي التي اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة، كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجهمية. ومن خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافا لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع.
* وأهل السنة والجماعة المقصد الأول لهم تجاه أهل البدع هو: بيان حالهم وتحذير الأمة من مقالاتهم الفاسدة، مع إظهار السنة و التعريف بها، ثم قمع البدع و دفع بغي وعدوان أهلها.
* وقد اتفق أئمة السنة على أن هذه البدع المغلظة شر من الذنوب التي يعتقد أصحابها أنها ذنوب، ولذلك وجب كف أهلها ودفع شرهم، ولو بالقتال أو القتل متى لم يندفع شرهم إلا بذلك، والسلف يأمرون بقتل الداعي إلى البدعة الذي يضل الناس، لأجل إفساده في الدين، سواء قالوا هو كافر أو ليس بكافر، فالعبرة بما يشرع في الدنيا من عقوبات إنما هو ما يدفع به الظلم والعدوان ويرفع به الضرر والفساد، وعقوبة الدنيا غير مستلزمة لعقوبة الآخرة ولا بالعكس.
* والرجل قد يعلن بالبدعة لخطأ في الاجتهاد أو لتأويل بعيد، فيختلط فيه السنة بالبدعة والخير بالشر، فيوالي ويثاب على ما معه من سنة وخير، ويعادي ويعاقب على ما معه من بدعة وشر، وقد يترك الإمام وأهل العلم والدين الصلاة عليه زجراً عن بدعته في الظاهر، ولكن يدعون غيرهم يصلون عليه، ويستغفرون هم له في الباطن. ومن عرف وظهر نفاقهم كغلاة الرافضة ٍمن نصيرية وإسماعيلية وغيرهم .. وكالغلاة في المشايخ من عبدة الأحياء والأموات والأضرحة والقباب، وكأرباب وحدة الوجود والحلول والاتحاد، فهؤلاء مرتدون من شر المرتدين، وأكفر من الكافرين الأصليين وأهل الكتاب، ولا يحل نكاح نسائهم، ولاتؤكل ذبائحهم، ولا يقرون بين المسلمين لا بجزية ولا ذمة، وإن كانوا طائفة ممتنعة وجب قتالهم كما يقاتل المرتدون.
* وأهل السنة يفرقون بين الدعية وغير الداعية من أهل البدع. فالداعية إن أظهر البدع علي الملأ فاستحق العقوبة من هجر، ورد الشهادة، وعدم الصلاة خلفه، وعدم أخذ العلم عنه، وعدم مناكحته، فهذه عقوبة له حتى ينتهي، أما الكاتم والمستتر ببدعة - غير مكفرة - فغاية أمره أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله، فينكر عليه سراً، ويستر عليه، إلا أن يتعدى ضرره إلى غيره، ويخاف أن يفسد الناس ويضلهم، فيبين أمره ليتقوا معاشرته، ويتقوا ضلاله ويعلموا حاله.
* وأهل السنة والجماعة عندما يكشفون أهل البدع للناس ويبينون أمرهم، ويحذرون منهم، وينكرون عليهم باللسان والهجر واليد، فإنما يقومون بذلك كله من خلال ضابطين شرعيين: (أحدهما) أن يكون منطلقهم الوحيد في ذلك هو الإخلاص لله ولرسوله والمسلمين، والطاعة لله، والرجاء والأمل في الإصلاح، وكف الضرر، والرحمة والدعاء بالخير للجميع، لا أن يكون الأمر يدخله أدنى شبهة من هوى شخصي أو عداوة دنيوية أو تحاسد وتباغض أو تنازع على رئاسة بحيث يظهر المرء النصح وقصده في الباطن الغض من الشخص والاستيفاء منه. فيخوض في عرضه وماله ودمه بلا سلطان من الله، وبلا قصد صحيح، بل لحق النفس لا لحق الشرع.