* (وَتُؤْمِنُ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ - أَهْلُ السُّنَّة وَالْجَمَاعَةِ - بِالْقَدَرِ: خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ:
* فَالدَّرَجَةُ الْأُولَى:
(ا) - الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ مَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ أَزَلًا، وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ.
(ب) - ثُمَّ كَتَبَ اللَّهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ .. وَهَذَا التَّقْدِيرُ، التَّابِعُ لِعِلْمِهِ -سُبْحَانَهُ- يَكُونُ فِي مَوَاضِعَ، جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فَقَدْ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا شَاءَ. وَإِذَا خَلَقَ جَسَدَ الْجَنِينِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ بَعَثَ إلَيْهِ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُقَالُ لَهُ: اُكْتُبْ رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ..
فَهَذَا الْقَدَرُ قَدْ كَانَ يُنْكِرُهُ غُلَاةُ الْقَدَرِيَّةِ قَدِيمًا، وَيُنْكِرُهُ الْيَوْمَ قَلِيلٌ.
* وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ:
(ا) - فَهُوَ مَشِيئَةُ اللَّهِ النَّافِذَةُ، وَقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَالَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إلَّا مَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مِنْ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ. فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إلَّا اللَّهُ خَالِقُهُ -سُبْحَانَهُ- لَا خَالِقَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.
(ب) - وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَمَرَ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ. وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ، وَالْمُقْسِطِينَ، وَيَرْضَى عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ، وَلَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ وَلَا يَامُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ، وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. وَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً، وَاَللَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ، وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْمُصَلِّي وَالصَّائِمُ. وَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَلَهُمْ إرَادَةٌ، وَاَللَّهُ خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ.
وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ مِنْ الْقَدَرِ، يُكَذِّبُ بِهَا عَامَّةُ الْقَدَرِيَّةِ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَيَغْلُو فِيهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، حَتَّى سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ، وَيَخْرُجُونَ عَنْ أَفْعَالِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ حِكَمَهَا وَمَصَالِحَهَا) ج3 ص148 - 150.