وأن الإيمان لا يزول إلا بزوال أصله، ولذلك فهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بمطلق المعاصي إلا أن يزول أصل الإيمان:
* (وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ لِمَذْهَبِهِمْ [1] : إنَّ لَهُ أُصُولًا وَفُرُوعًا، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْكَانٍ، وَوَاجِبَاتٍ - لَيْسَتْ بِأَرْكَانِ - وَمُسْتَحِبَّاتٍ. بِمَنْزِلَةِ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ. فَإِنَّ اسْمَ الْحَجِّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُشْرَعُ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ .. ثُمَّ الْحَجُّ مَعَ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْكَانٍ مَتَى تُرِكَتْ لَمْ يَصِحَّ الْحَجُّ: كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. وَعَلَى تَرْكِ مَحْظُورٍ مَتَى فَعَلَهُ فَسَدَ الْحَجُّ وَهُوَ الْوَطْءُ. وَمُشْتَمِلٌ عَلَى وَاجِبَاتٍ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ، يَاثَمُ بِتَرْكِهَا عَمْدًا .. وَمُشْتَمِلٌ عَلَى مُسْتَحِبَّاتٍ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ يَكْمُلُ الْحَجُّ بِهَا، فَلَا يَاثَمُ بِتَرْكِهَا .. ولَكِنْ مَنْ أَتَى بِالْمُسْتَحَبِّ فَهُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ وَأَتَمُّ مِنْهُ حَجًّا .. وَمَنْ أَخَلَّ بِرُكْنِ الْحَجِّ أَوْ فِعْلِ مفسدة فَحَجُّهُ فَاسِدٌ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضٌ .. وَكَذَلِكَ فِي(الْأَعْيَانِ الْمَشْهُودَةِ) فَإِنَّ الشَّجَرَةَ -مَثَلًا- اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْجِذْعِ وَالْوَرَقِ وَالْأَغْصَانِ، وَهِيَ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَرَقِ شَجَرَةٌ، وَبَعْدَ ذَهَابِ الْأَغْصَانِ شَجَرَةٌ، لَكِنْ كَامِلَةٌ وَنَاقِصَةٌ، فَلْيقلْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالدِّينِ. إنَّ (الْإِيمَانَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ) : إيمَانُ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ، وَهُوَ مَا أَتَى فِيهِ بِالْوَاجِبَاتِ والمستحبات مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ. وَإِيمَانُ الْمُقْتَصِدِينَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَهُوَ مَا أَتَى فِيهِ بِالْوَاجِبَاتِ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ. وَإِيمَانُ الظَّالِمِينَ. وَهُوَ مَا يَتْرُكُ فِيهِ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ أَوْ يَفْعَلُ فِيهِ بَعْضَ الْمَحْظُورَاتِ.
* وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ فِي وَصْفِهِمْ (اعْتِقَادَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) : إنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبِ. إشَارَةً إلَى بِدْعَةِ الْخَوَارِجِ الْمُكَفِّرَةِ بِمُطْلَقِ الذُّنُوبِ، فَأَمَّا أَصْلُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ: الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ اللَّهِ تَصْدِيقًا بِهِ وَانْقِيَادًا لَهُ، فَهَذَا أَصْلُ الْإِيمَانِ الَّذِي مَنْ لَمْ يَاتِ بِهِ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنِ .. فَعُلِمَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ وَالتَّجْزِئَةَ، وَأَنَّ قَلِيلَهُ يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنْ النَّارِ مَنْ دَخَلَهَا. لَيْسَ كَمَا يَقُولُهُ الْخَارِجُونَ عَنْ مَقَالَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ إنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ وَالتَّجْزِئَةَ بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ كُلُّهُ أَوْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ شَيْءٌ) ج12 ص472 - 475.
(1) أي المفسرون لمذهب أهل السنة.