فهرس الكتاب
الصفحة 17 من 222

ثم أراد الله أن يهدي الناس بعد طول ضلال، وأن يظهرهم على الحق بعد طول اختلاف، فكانت - أن شاءت - إرادة العليم الحكيم أن يختم رسالاته إلى البشر كافة، برسالة النبي الخاتم، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فأنزل عليه القرآن الكريم كتاب الله إلى الناس كافة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) [سورة البقرة، الآية: 213] .

وتعهد الله -عز وجل- بحفظ هذا الدين - بحفظ كتابه - إلى يوم تقبض السماوات والأرض، فقال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة الحجر، الآية: 9] . يقول ابن كثير: (قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر - وهو القرآن - وهو الحافظ له من التغيير والتبديل) [1] أهـ.

وأمر الله -سبحانه وتعالى- رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم، أن يبين للناس بسنته الشريفة تفصيلات هذا الذكر الحكيم. (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [سورة النحل، الآية: 44] .

يقول ابن كثير: (وأنزلنا إليك الذِّكر: يعني القرآن، لتبين للناس ما نزّل إليهم: أي من ربهم، لعلمك، بمعنى ما أنزل الله عليك، وحرصك عليه، واتباعك له، ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق، وسيد ولد آدم، فنفصل لهم ما أجمل، وتبين لهم ما أشكل) [2] ا. هـ.

فبلغ، صلى الله عليه وسلم، الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وأزال الغمة، وفتح الله به، صلى الله عليه وسلم، قلوبًا غلفًا وآذانًا صمًا. (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) [سورة المائدة، الآية: 67] . نعم، فمن ذا الذي يبلغ أن لم يبلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى خلقه؟! ومن ذا الذي يبين إن لم يبين من أرسله الله رحمة للعالمين؟!.

يقول ابن كثير: (يقول -تعالى- مخاطبًا عبده ورسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، باسم الرسالة وآمرا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به، وقد امتثل، عليه أفضل الصلاة والسلام، ذلك وقام به أتم القيام ... وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحواً من أربعين ألفًا، كَمَا ثَبَتَ فِيْ صَحِيحِ مُسْلِم عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ أنَّ رَسولُ الِله، صلى الله عليه وسلم، قَالَ ِفي خِطْبَتِهِ يَومَئِذٍ:"يَاَ أَيّهَا النَّاس ُإنكم مَسْئُولُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟"قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَجَعَلَ يَرْفَعُ إِصْبَعَهُ إَلى الْسمَاءِ وَينُكسُهَا إِليهِم، وَيقَول"اللَّهُمَّ هَلْ بَلْغْتُ؟" [3] ا. هـ.

ولم يلحق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك أمته مجتمعين على الْمَحَجَةِ البيضاء، ليلها كنهارها، وإلا بعد أن أنزل الله -عز وجل- قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلامَ دِيناً) [سورة المائدة، الآية: 3] .

وقال، صلى الله عليه وسلم:"تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ -تعالى- وَسُنَّةَ رَسُولِهِ، صلى الله عليه وسلم" [4] .

(1) مختصر ابن كثير ج2 ص 308.

(2) مختصر ابن كثير ج2 ص 332.

(3) مختصر ابن كثير ج1 ص 533.

(4) رواه مالك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام