والمرجئة حدثت كرد فعل لآراء الخوارج في الإيمان والكفر. وإن كانت هذه البدعة قد بدأت كنزاع على الأسماء معظمه لفظي إلا أنها تطورت وتغلظت فيما بعد.
* (وَحَدَثَتْ(الْمُرْجِئَةُ) وَكَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْمُرْجِئَةِ وَلَا إبْرَاهِيمُ النخعي وَأَمْثَالُهُ، فَصَارُوا نَقِيضَ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، فَقَالُوا: إنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ أَخَفَّ الْبِدَعِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النِّزَاعِ فِيهَا نِزَاعٌ فِي الِاسْمِ وَاللَّفْظِ دُونَ الْحُكْمِ، إذْ كَانَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يُضَافُ إلَيْهِمْ هَذَا الْقَوْلُ، مِثْلَ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِمَا .. هُمْ مَعَ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ مَنْ يُعَذِّبُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ بِالنَّارِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ بِالشَّفَاعَةِ، كَمَا جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِذَلِكَ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ، وَعَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَفْرُوضَةَ وَاجِبَةٌ وَتَارِكُهَا مُسْتَحِقٌّ لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ، فَكَانَ فِي الْأَعْمَالِ هَلْ هِيَ مِنْ الْإِيمَانِ؟ وَفِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، عَامَّتُهُ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ .. وَفِي الْجُمْلَةِ الَّذِينَ رُمُوا بِالْإِرْجَاءِ مِنْ الْأَكَابِرِ، مِثْلِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، وَإِبْرَاهِيمَ التيمي، وَنَحْوِهِمَا: كَانَ إرْجَاؤُهُمْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَكَانُوا - أَيْضًا - لَا يَسْتَثْنُونَ فِي الْإِيمَانِ .. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يُجَوِّزُونَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِيمَانِ بِكَوْنِ الْأَعْمَالِ مِنْهُ، وَيَذمُّونَ الْمُرْجِئَةَ، وَالْمُرْجِئَةُ عِنْدَهُمْ الَّذِينَ لَا يُوجِبُونَ الْفَرَائِضَ وَلَا اجْتِنَابَ الْمَحَارِمِ، بَلْ يَكْتَفُونَ بِالْإِيمَانِ .. فَتَبَيَّنَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَدْ يَكُونُ لَفْظِيًّا) ج13 ص 38 - 43.