فهرس الكتاب
الصفحة 139 من 222

* (وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَلَيْسُوا مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ الْمُغَلَّظَةِ، بَلْ قَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِمْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِبَادَةِ، وَمَا كَانُوا يُعَدُّونَ إلَّا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، حَتَّى تغلظ أَمْرُهُمْ بِمَا زَادُوهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُغَلَّظَةِ. وَلَمَّا كَانَ قَدْ نُسِبَ إلَى الْإِرْجَاءِ وَالتَّفْضِيلِ قَوْمٌ مَشَاهِيرُ مُتَّبَعُونَ: تَكَلَّمَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ الْمَشَاهِيرُ فِي ذَمِّ الْمُرْجِئَةِ الْمُفَضِّلَةِ تَنْفِيرًا عَنْ مَقَالَتِهِمْ، كَقَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعمر فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمَا أَرَى يَصْعَدُ لَهُ إلَى اللَّهِ عَمَلٌ مَعَ ذَلِكَ. أَوْ نَحْوِ هَذَا الْقَوْلِ، قَالَهُ لَمَّا نُسِبَ إلَى تَقْدِيمٍ عَلَى بَعْضِ أَئِمَّةِ الْكُوفِيِّينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَيُّوبَ السختياني: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا على عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَالَهُ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْكُوفِيِّينَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ فِي ذَمِّ الْمُرْجِئَةِ لَمَّا نُسِبَ إلَى الْإِرْجَاءِ بَعْضُ الْمَشْهُورِينَ) ج3 ص357.

* (وَالْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ قَالُوا: الْإِيمَانُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ، وَقَوْلُ اللِّسَانِ. وَالْأَعْمَالُ لَيْسَتْ مِنْهُ، كَانَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ وَعُبَّادِهَا. وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ مِثْلَ قَوْلِ جَهْمٍ، فَعَرَفُوا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْإِيمَانِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَعَرَفُوا أَنَّ إبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ وَغَيْرَهم كُفَّارٌ مَعَ تَصْدِيقِ قُلُوبِهِمْ .. وَالْمُرْجِئَةُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْهُمْ وَالْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْأَعْمَالَ قَدْ تُسَمَّى إيمَانًا مَجَازًا لِأَنَّ الْعَمَلَ ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ وَمُقْتَضَاهُ، وَلِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ ..

وَالْمُرْجِئَةُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ:

1 -الَّذِينَ يَقُولُونَ الْإِيمَانُ مُجَرَّدُ مَا فِي الْقَلْبِ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُدْخِلُ فِيهِ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ، وَهُمْ أَكْثَرُ فِرَقِ الْمُرْجِئَةِ .. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُدْخِلُهَا فِي الْإِيمَانِ كَجَهْمِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ ..

2 -والْقَوْلُ الثَّانِي مَنْ يَقُولُ: هُوَ مُجَرَّدُ قَوْلِ اللِّسَانِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ لِأَحَدِ قَبْلَ الكرامية.

3 -وَالثَّالِثُ: تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَقَوْلُ اللِّسَانِ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِبَادَةِ مِنْهُمْ.

وَهَؤُلَاءِ غَلِطُوا مِنْ وُجُوهٍ:

(أَحَدُهَا) : ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مُتَمَاثِلٌ فِي حَقِّ الْعِبَادِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي يَجِبُ عَلَى شَخْصٍ يَجِبُ مِثْلُهُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.

(والْوَجْهُ الثَّانِي) : مِنْ غَلَطِ الْمُرْجِئَةِ: ظَنُّهُمْ أَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ لَيْسَ إلَّا التَّصْدِيقَ فَقَطْ، دُونَ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ جهمية الْمُرْجِئَةِ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام