وأهل السنة يُؤمنون بما جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، إيماناً مجملاً، ولكنهم يفرقون بين العاجز والقادر في معرفة ما جاء به الرسول، صلى الله عليه وسلم، على التفصيل. وهذا أصل عظيم، وقعت بسبب عدم معرفته فتن كثيرة.
* (ولَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ إيمَانًا عَامًّا مُجْمَلًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَعْرِفَةَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَلَى التَّفْصِيلِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَة .. وَأَمَّا مَا يَجِبُ عَلَى أَعْيَانِهِمْ فَهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ قَدْرِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ، وَحَاجَتِهِمْ وَمَا أُمِرَ بِهِ أَعْيَانُهُمْ. فَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ سَمَاعِ بَعْضِ الْعِلْمِ أَوْ عَنْ فَهْمِ دَقِيقِهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النُّصُوصَ وَفَهِمَهَا مِنْ عِلْمِ التَّفْصِيلِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا. وَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُحَدِّثِ وَالْمُجَادِلِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ .. فَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِمَّا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ -مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ- قَدْ يَكُونُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مُشْتَبَهًا لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى دَلِيلٍ يُفِيدُهُ الْيَقِينُ: لَا شَرْعِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ، لَمْ يَجِبْ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي ذَلِكَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ اعْتِقَادٍ قَوِيٍّ غَالِبٍ عَلَى ظَنِّهِ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمَامِ الْيَقِينِ. بَلْ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ولَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُطَابِقًا لِلْحَقِّ. فَالِاعْتِقَادُ الْمُطَابِقُ لِلْحَقِّ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ، وَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ) . ج 3 ص 312 - 314.
فأهل السنة والجماعة إذاً لا يأخذون دينهم علماً وعملاً إلا من القرآن والسنة، من خلال فهم صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي أخذوه عن نبيهم ونقلوه إلى تابعيهم ثم من أخذ عنهم واتبع سبيلهم من الأئمة وسلف الأمة لا يُقدمون على ذلك أو يعارضونه بعقل أو رأي أو قياس أو ذوق أو وجد أو مكاشفة كائناً من كان صاحبها، وهذا هو الأصل الأول الذي يميز أهل السنة ويصبغ جماعتهم بصبغة خاصة، ويشكل الملامح العامة والمواصفات السلوكية والأخلاقية لهذه الجماعة، بل ويُفرز العقائد والأصول والقواعد الفقهية التي تكون في النهاية تراث هذه الجماعة.