فهرس الكتاب
الصفحة 14 من 222

ولما فَسَدت فطرة أكثر البشر، ولما) وكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً). [سورة الكهف، الآية: 54] . زين الشيطان للناس سوء عملهم، ولبس عليهم الحق بالباطل: وألهمهم المقدمات الفاسدة حتى يجادلوا بها عن باطلهم وينافحوا عنه. (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) . [سورة الكهف، الآية: 56] فما أعجب ابن آدم حين تفسد فطرته، وتظلم بصيرته، ويضل عقله، فيرى الباطل حقًا، ويرى الحق باطلاً، أو يزيغ عنه أصلاً فلا يراه، ولكن صدق الحكيم الخبير. (فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . [سورة إبراهيم، الآية: 4] . (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً) [سورة الكهف، الآية: 17] .

واخْتَلَفَ أهل الكفر فيما بينهم، وانقسموا إلى فِرَقٍ وأحزاب، وشِيَعٍ وجماعاتٍ، وتفاوتوا في دركات الكفر والضلال، والتيه والبعد عن الصراط المستقيم، فمنهم من أَنْكَرَ الخالق، ومنهم من أنكر الوحدانية، ومنهم من أنكر النبوات، ومنهم من أنكر البعث والمعاد، إلى آخر هذه المقالات الفاسدة التي يلقي بها الشيطان إلي أوليائه. [1]

يقول ابن حزم: (رؤوس الفِرَقِ المخالفة لدين الإسلام ست، ثم تفرقت كل فرقة من هذه الفرق الست على فرق، وسأذكر جماهيرها -إن شاء الله عز وجل -، فالفرق الست التي ذكرناها على مراتبها في البعد عنا:

(أولها) مبطلو الحقائق، وهم الذين يسميهم المتكلمون السوفسطائية.

(ثم) القائلون بإثبات الحقائق، إلا أنهم قالوا: إنَّ العالَم لم يَزْل، وإنه لا مُحْدِثَ لَهُ ولا مُدَبِر.

(ثم) القائلون بإثبات الحقائق، وإن العالم لم يزل، وإن له مدبرا لم يزل.

(ثم) القائلون بإثبات الحقائق، فبعضهم قال: إن العالم لم يزل، وبعضهم قال: هو مُحْدَث: واتفقوا على أن له مدبرين لم يزالوا، وأنهم أكثر من واحد، واختلفوا في عددهم.

(ثم) القائلون بإثبات الحقائق، وإن العالم مُحْدَث، وإن له خالقًا واحدًا لم يزل وأبطلوا ... النبوات كلها.

(ثم) القائلون بإثبات الحقائق، وإن العالم محدث، وإن له خالقًا واحدًا لم يزل، وأثبتوا النبوات، إلا أنهم خالفوا في بعضها، فأقروا ببعض الأنبياء، عليهم السلام، وأنكروا بعضهم ... ) [2] أهـ.

هذا عن أهل الملل المُخَالِفة لدين الإسلام. وأما عن أهل الملة الإسلامية، فإن الله -عز وجل- لما بعث في كل أمة رسولاً، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [سورة النحل، الآية: 36] ، فإن كل رسول كان يدعو قومه إلى دين الله الذي هو الإسلام. أي الاستسلام له -سبحانه وتعالى- وحده. (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الِإسْلَام) . [سورة آل عمران، الآية: 19] . والذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه. (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الِإسْلَامَ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [سورة آل عمران، الآية: 85] .

(1) يقول ابن القيم في قوله -تعالى- في سورة القيامة: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سدىً} ، يقول:"ومن أسرارها أن إثبات النبوة والمعاد يعلم بالعقل، وهذا أحد القولين لأصحابنا وغيرهم وهو الصواب ... فإن ملكه الحق يستلزم أمره ونهيه وثوابه وعقابه، وكذلك يستلزم إرساله رسله، وإنزال كتبه، وبعث المعاد ليوم يجزي فيه المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، أهـ. راجع التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص 161، 162."

(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل ج1 ص3.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام